٥. يقول ابن الجلّاد :
«دخلتُ مدينة النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وبي فاقة ، فتقدّمتُ إلى القبر وقلت : ضيفُك. فغفوتُ فرأيت النبي فأعطاني رغيفاً ، فأكلتُ نصفه ، فانتبهتُ وبيدي النصف الآخر». (١)
نحن الآن لسنا في مقام مناقشة هذه القضايا المذكورة ، وبيان صحيحها من سقيمها ، وإنّما الكلام هو أنّ هذه الوقائع ـ بمجموعها ـ تشهد بأنّ الاستغاثة برسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كانت سُنّة جارية بين المسلمين ، ولو كانت بدعة ومحرّمة ، أو شركاً وكفراً ، لما ذكرها حتّى وُضّاع الحديث ، خوفاً من تشويه سمعتهم بين الناس.
والجدير بالذكر ، أنّنا قد أفردنا كتاباً مستقلاً بعنوان «أصالة الروح» وتحدّثنا فيه ـ بالتفصيل ـ عن كلّ ما يرتبط بهذا الموضوع ، وأوردنا أحاديث وروايات كثيرة فيه ، وكلّها تدلّ على صحّة طلب الدعاء والحاجة من الأرواح المقدّسة وصحّة طلب إنجاز عمل إعجازي خارق للطبيعة منهم.
وفي ختام هذا الفصل نجلب الانتباه إلى الأُمور التالية :
١. إنّ طلب الحوائج من أولياء الله ليس عبادة لهم أبداً ، وخاصّة بعد أن تحدّثنا ـ بالتفصيل ـ عن معنى العبادة ومواردها ، وأنّ الاعتقاد بالألوهيّة والربوبيّة هو الّذي يصبغ العمل بصبغة العبادة ، ومن الواضح أنّ المتوسّل بأولياء الله لا يعتقد بألوهيّتهم ولا بربوبيّتهم ، ولا بتدبيرهم لشئون الكون ولا بقيامهم بأفعال الله ـ بالاستقلال والاختيار ـ بل يعتبرهم عباداً مكرمين ، أطهاراً طيّبين ، وُجَهاء عند الله ، مطيعين له ، غير مرتكبين لأدنى ذنب ومعصية.
__________________
(١) وفاء الوفا : ٤ / ١٣٨١.