قال : هذه الآية تدلّ على حصول الشفاعة من الملائكة للمذنبين. (١)
وإذا ثبتت هذه في حقّ الملائكة فكذلك في حقّ الأنبياء ، لانعقاد الإجماع على أنّه لا فرق.
وقال أيضاً :
وأيضاً قال تعالى لمحمّد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) فأمر محمّداً أن يذكر ـ أوّلاً ـ الاستغفار لنفسه ، ثمّ بعده يذكر الاستغفار لغيره ، وحكى عن نوح ـ عليهالسلام ـ أنّه قال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ). (٢)
إنّ هذا التوضيح من الفخر الرازي شاهدٌ على أنّه يرى معنى الشفاعة هو دعاء الشفيع للمذنب ، وطلب الشفاعة هو طلب الدعاء منه.
وقد ورد في الأحاديث الشريفة أنّ دعاء المسلم لأخيه المسلم هو شفاعة له ، فعن ابن عبّاس عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أنّه قال :
«ما مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ على جَنازَتِهِ أرْبَعُونَ رَجلاً لا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيئاً إِلّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فيهِ». (٣)
لقد جاء في هذا الحديث ـ تعبير «شفَّعهم الله فيه» للّذين يدعون لأخيهم المسلم.
وانطلاقاً من هذا الحديث فلو أنّ رجلاً أوصى في حياته إلى أربعين رجلاً
__________________
(١) لأنّ في نهاية الآية قوله تعالى : (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ).
(٢) تفسير الفخر الرازي : ٧ / ٣٣ ـ ٣٤. أقول : لقد ثبت بالأدلّة القطعية أنّ النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وغيره من الأنبياء معصومون عن كلّ خطإٍ وذنب ، مطهَّرون من كلّ معصية ، ولهذا فالمقصود من قوله تعالى : «لذنبك» ليس هو المعصية المصطلحة ، والتفصيل يطلب من محلّه.
(٣) صحيح مسلم : ٣ / ٥٤.