كلّ ذلك يدلّ على أنّ المراد من نفي الإسماع هو الإسماع المفيد تحقيقاً لقوله سبحانه: (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١) حيث إنّ الآية صريحة في ردّ دعوة الكفّار حيث طلبوا من الله سبحانه أن يُرجعهم إلى الدنيا حتّى يعملوا صالحاً ، فيأتيهم النداء «بكلا» فيكون تمنّيهم بلا جدوى ولا فائدة كما أنّ سماع الموتى كذلك ، لا انّهم لا يسمعون أبداً ، إذ هو مخالف لما مرّ من صريح الآيات والروايات.
وثانياً : إنّ الأجساد الراقدة تحت التراب غير قادرة على الفهم والإدراك ، وهذا طبيعي ، إذ أنّ الجسد عند ما يتجرّد عن الروح يبقى جماداً لا فهم له ولا إدراك.
ولكن النقطة المهمّة ـ هنا ـ هو أنّ الذين نُخاطبهم ونستشفع منهم ـ وكما يؤكّد القرآن الكريم ـ ليس هو الجسد المدفون تحت التراب ، وإنّما هي الروح الطاهرة والحيّة التي تعيش في الجسد البرزخي في عالم البرزخ.
فلو لم تتمكّن الأجساد المدفونة في الأرض من الإدراك والفهم ، فهذا لا يدلّ على أنّ أرواحها الطاهرة ونفوسها الطيّبة ـ التي هي حيّة تُرزَق في العالَم الآخر ـ غير قادرة على الإدراك والفهم.
وأنّ السلام والتحيّة والزيارة هي لتلك الأرواح النورانيّة الخالدة ، وطلب الشفاعة منها أيضاً.
وهكذا ظهر لك ـ أيّها القارئ الكريم ـ أنّ الأدلّة الّتي يستدلّ بها الوهّابيّون على حرمة الاستشفاع من أولياء الله أدلّة واهية ضعيفة ، وأنّ الحقّ هو ما يقوم به المسلمون تبعاً للقرآن والأحاديث الشريفة.
__________________
(١) المؤمنون : ٩٩ ـ ١٠٠.