وقد كان الناس يُطالبون كلَّ من يدّعي النبوّة ـ صادقاً كان أم كاذباً ـ بالمعجزة الخارقة للطبيعة ، دليلاً على صدق دعواه واتّصاله بالعالم الأعلى ، ولم يطلبوا ذلك من الله الّذي بعثه ، بل كانوا يقولون :
(... إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). (١)
وهذه عادة كلّ الشعوب والأُمم في العالم ، حيث تريد التمييز بين النبيّ الصادق والمتنبّئ الكاذب ، فتُطالبه بالمعجزة الدالّة على قدرته الغيبية ، وكان الأنبياء ـ بدَورهم ـ يدعون الناس لمشاهدة معجزاتهم الدالّة على صدقهم.
وقد سجّل القرآن الكريم بعض ما دار بينهم وبين الأُمم من حوار حول هذا الموضوع ، دون أن ينتقدهم على طلبهم المعجزة من الأنبياء ، ممّا يدلّ على موافقته لهذا الطلب.
ولنذكر مثالاً : لو أنّ أُمّة ـ تبحث عن الحقّ ـ جاءت إلى النبيّ عيسى ـ عليهالسلام ـ وقالت له : «إن كنت صادقاً في دعوى النبوّة فأبرئ هذا الأعمى ورُدّ إليه بصره ، واشفِ هذا الأبرص» فإنّ هذه الأُمّة لا تُعتبر مشركة ، بل تُعَدُّ من الأُمم الراقية التي تبحث عن الحقيقة ، وتمدَح على ذلك.
والآن ، لو فرضنا وفاة النبيّ عيسى ـ عليهالسلام ـ (٢) وطلبت أُمّته من روحه الطاهرة أن يُبرئ الأكمه والأبرص ، فلما ذا تُعتبر مشركة ، مع العلم أنّ موت النبيّ وحياته لا يؤثّران في التوحيد والشرك؟! (٣)
__________________
(١) الأعراف : ١٠٦.
(٢) بالرغم من أنّه حيٌّ كما قال تعالى : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّه لَهُمْ ... بَلْ رَفَعَهُ الله إِليه ...) وتقول الأحاديث الصحيحة إنّ النبيّ عيسى سوف يعود إلى الأرض عصر ظهور الإمام المهديّ المنتظر ـ عجّل الله ظهوره ـ ليكون ردءً له وظهيراً.
(٣) للاطّلاع على بعض معجزات النبيّ عيسى راجع آية ٤٩ من سورة آل عمران وآية ١٠٠ ـ ١٠١ من سورة المائدة.