ومنها : بكاؤه على أخيه زيد بن الخطّاب ، وكان صحبه رجل من بين عدي ابن كعب فرجع إلى المدينة فلمّا رآه عمر دمعت عيناه وقال : وخلّفت زيداً قاضياً وأتيتني. (١)
فالبكاء المتكرّر من الخليفة يهدينا إلى أنّ المراد من الحديث ـ لو صحّ سنده ـ معنى آخر ، كيف وأنّ ظاهر الحديث لو قلنا به فإنّه يخالف الذكر الحكيم ، أعني قوله سبحانه : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٢). فأيّ معنى لتعذيب الميّت ببكاء غيره عليه!!
قال الشافعي : «وما روت عائشة عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أشبه أن يكون محفوظاً عنه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بدلالة الكتاب والسنّة ، فإن قيل : فأين دلالة الكتاب؟ قيل : في قوله عزوجل : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ...) و (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى). (٣)
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٤) وقوله :
(... لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) (٥). فإن قيل : أين دلالة السنّة؟ قيل : قال رسول الله لرجل : ابنك هذا؟ قال : نعم ، قال : أما أنّه لا يجني عليك ولا تجني عليه. فأعلم رسول الله مثلما أعلم الله من أنّ جناية كلّ امرئ عليه ، كما أنّ عمله لا لغيره ولا عليه». (٦)
فقه الحديث
كلّ هذه النقول توقفنا على أنّ المراد من الحديث «إنّ الميّت يعذَّب ...» ـ إن
__________________
(١) العقد الفريد : ٣ / ٢٣٥.
(٢) فاطر : ١٨.
(٣) النجم : ٣٩.
(٤) الزلزلة : ٧ ـ ٨.
(٥) طه : ١٥.
(٦) اختلاف الحديث بهامش كتاب الأُمّ للشافعي : ٧ / ٢٦٧.