سجّلوا دقائق أُموره وخصائص حياته ومميّزات شخصيته ، حتّى أنّهم سجّلوا ما يرتبط بخاتمه وحذائه وسواكه وسيفه ودرعه ورمحه وجواده وإبله وغلامه ، وحتّى الآبار الّتي شرب منها الماء ، والأراضي الّتي أوقفها لوجه الله سبحانه ، والطعام المفضّل لديه ، بل وكيفيّة مشيته وأكله وشربه ، وما يرتبط بلحيته المقدّسة وخضابه لها ، وغير ذلك ، ولا زالت آثار البعض منها باقية إلى يومنا هذا. (١)
ومن خلال مراجعة تاريخ المسلمين وتفقّد البلاد الإسلامية الواسعة واستطلاع معالمها وآثارها يظهر لنا ـ بوضوح ـ أنّ البناء على القبور وصيانتها من الزوال والفناء كان شيئاً متداولاً عند كافّة المسلمين في أنحاء الوطن الإسلامي الكبير ، ولا زالت هناك الضرائح المشيّدة على قبور الأنبياء والأولياء والرجال الصالحين ، ويقصدها المسلمون بالزيارة والدعاء ، وتُعتبر تلك الضرائح من الآثار التاريخية الإسلامية ، وهناك الموقوفات الكثيرة الّتي تُصرف عائداتها لحفظ هذه الآثار وصيانتها ونظافة الساحات المحيطة بها ، وغير ذلك.
ولقد كانت قبور أولياء الله عامرة ومشيّدة حتّى في الحجاز نفسها ـ كانت حتّى قبل فتنة الوهّابيّة واحتلالها للحرمين الشريفين وضواحيهما ـ كانت قبور أولياء الله في كافّة أرجاء الحجاز عامرة ومشيّدة ، تحظى باهتمام المسلمين كافّة ، ولم يكن هناك أيّ عالم ديني يستنكر بقاءها أو يعترض على بنائها وتعميرها.
وليست إيران هي البلد الوحيد الّذي تتواجد فيها الضرائح المشيّدة على قبور أولياء الله تعالى ، بل إنّ ذلك موجود في البلدان الإسلامية ، وخاصّة في مصر وسوريا والعراق والمغرب وتونس والأُردن ، فهناك المقابر المعمورة للعلماء وكبار المسلمين ، ويقوم المسلمون بزيارتها أفواجاً أفواجاً ، ويبتهلون إلى الله تعالى بتلاوة
__________________
(١) راجع الطبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ٣٦٠ ـ ٥٠٣ حول هذا الموضوع.