القرآن ـ وخاصّة سورة الفاتحة ـ وإهداء ثوابها إلى روح صاحب القبر الّذي جاءوا لزيارته.
كما أنّ لكلّ من هذه المراقد المشيّدة موظّفين يقومون بالخدمة والحراسة والنظافة والصيانة وغيرها.
مع كلّ ما سبق ... كيف يمكن اعتبار تعمير القبور حراماً ، مع أنّ العادة المتَّبعة عند المسلمين منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا كانت ولا زالت جارية على ذلك ، وهذا ما يُسمّيه الفقهاء والعلماء ب «سيرة المسلمين» وهي الّتي تمتدّ جذورها إلى زمن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أو زمن أحدٍ من الأئمّة الطاهرين من أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ.
إنّ هذه السيرة الحسنة تمنح المسلمين الجواز للبناء على قبور أولياء الله ، وبالأحرى ترغّبهم وتشجّعهم على ذلك ولم تتعرّض هذه السيرة ـ طوال وجودها لأيّ نقد أو اعتراض ، وهذا يكشف عن أصالتها وصحتها عند المسلمين طوال التاريخ ـ وأنّها كانت من السُّنن المتّبعة عندهم.
وقد اعترف بهذه الأصالة أحد الكتّاب الوهّابيّين فكتب يقول :
هذا أمرٌ عمّ البلاد وطبق الأرض شرقاً وغرباً ، بحيث لا بلدة من بلاد الإسلام إلّا وفيها قبور ومشاهد ، بل هذه مساجد المسلمين غالبها لا يخلو عن قبر أو مشهد ، ولا يسع عقلُ عاقلٍ أنّ هذا منكر يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة ويسكت عليه علماء الإسلام. (١)
وبالرغم من اعتراف هذا الوهابيّ بأنّ سيرة المسلمين قائمة على إعمار قبور أولياء الله وتكريمها ، فإنّه لا يكفّ عن عناده وسوء سريرته ، فتراه يعتبر ذلك منكراً ويستنكر سكوت العلماء عليه ، وأنّ سكوت أُولئك ـ في تلك الفترة الطويلة ـ لا
__________________
(١) تطهير الاعتقاد : ٣٥ ـ ٣٦ بتلخيص ، طبعة دار الحكمة ، دمشق ـ ١٤١٥ ه.