المسلمين مهاجرين وأنصاراً ، جُدُداً وقدامى ، وظلّ طوال حياته الشريفة يدعم بكلّ الوسائل هاتين الدعامتين حتّى كوّنَ من المؤمنين برسالته والسائرين تحت رايته ، أُمّةً واحدةً قوية جسَّدت ما قاله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : «مثل المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد (الواحد) إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى». (١)
وبفضل هاتين الدعامتين اللّتين كانتا منشأً للوحدة الفكرية والوحدة الاجتماعية استطاع المسلمون أن يتغلّبوا على خصوم الرسالة الإسلامية وأعدائها ، ويزيحوا جميع الموانع والعراقيل من طريقها ، ويضمنوا انتشارها ، بل وبقاءها ، رغم كيد الكائدين ، ومؤامرات المعارضين.
وبقيت الأُمّة على وحدتها وتماسكها قروناً عديدة حتّى أطلّ القرن السادس وتلاه السابع ، كانت البلاد الإسلامية تعاني من هجومين شرسين مدمّرين عليها ، على أيدي عبّاد الصنم (التتر) من ناحية الشرق ، وأتباع الصليب (المسيحيين) من ناحية الغرب ، ذينك الهجومين اللّذين دمّرا الكثير من أُسس الحضارة الإسلامية ومظاهرها ومعالمها من جانب آخر.
فيما كانت هذه هي حالة الأُمّة الإسلامية وحال بلادها طلع من «حرَّان» دمشق ، رجل على الأُمّة الإسلامية بعقائد منحرفة وآراء شاذة بلبلت أذهان المسلمين ، ومزّقت وحدتهم ، وفرّقت جماعتهم وأوقدت نيران الفتنة في مجتمعهم ، ذلك في الوقت الّذي كانت الأُمّة الإسلامية أحوج ما تكون فيه إلى توحيد الكلمة ، ورصّ الصفوف لمواجهة الخطرين اللّذين كانا يهدّدان كيانهم من الأساس.
__________________
(١) مسند الإمام أحمد : ٤ / ٢٧٠.