أحد ـ وسنبيّن أنّ ذلك غير خاصّ به صلىاللهعليهوآلهوسلم بل مستحبّ لغيره ـ وإذا استحبّ زيارة قبر غيره صلىاللهعليهوآلهوسلم فقبره أولى ؛ لما له من الحقّ ووجوب التعظيم.
فإن قلت : الفرق : أنّ غيره يزار للاستغفار له ؛ لاحتياجه إلى ذلك ، كما فعل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في زيارته أهل البقيع ، والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مستغنٍ عن ذلك؟
قلت : زيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما هي لتعظيمه ، والتبرّك به ، ولتنالنا الرحمة بصلاتنا وسلامنا عليه ، كما أنّا مأمورون بالصلاة عليه والتسليم ، وسؤال الوسيلة ، وغير ذلك ممّا يعلم أنّه حاصل له صلىاللهعليهوآلهوسلم بغير سؤالنا ، ولكنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أرشدنا إلى ذلك ؛ لنكون بدعائنا له متعرّضين للرحمة التي رتّبها الله تعالى على ذلك.
فإن قلت : الفرق أيضاً : أنّ غيره لا يخشى فيه محذور ، وقبره صلىاللهعليهوآلهوسلم يخشى الإفراط من تعظيمه أن يُعْبَدَ؟!
قلت : هذا كلام تقشعرّ منه الجلود ، ولو لا خشية اغترار الجهّال به لما ذكرته ، فإنّ فيه تركاً لما دلّت عليه الأدلّة الشرعية بالآراء الفاسدة الخياليّة!
وكيف تقدم ـ على تخصيص قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «زوروا القبور» وعلى ترك قوله : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» وعلى مخالفة إجماع السلف والخلف ـ بمثل هذا الخيال الذي لم يشهد به كتاب ولا سنّة؟!
بخلاف النهي عن اتخاذه مسجداً ، وكون الصحابة احترزوا عن ذلك المعنى المذكور ؛ لأنّ ذلك قد ورد النهي فيه.
وليس لنا نحن أن نشرّع أحكاماً من قبلنا : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ).
فمن منع زيارة قبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد شرع من الدين ما لم يأذنْ به الله! وقوله مردود عليه ، ولو فتحنا باب هذا الخيال الفاسد لتركنا كثيراً من السنن ، بل ومن الواجبات.
والقرآن كلّه ، والإجماع المعلوم من الدين بالضرورة ، وسير الصحابة