أنّ المسجد الحرام لا يقوم غيره مقامه ، ومن هاهنا شُرِّعَ قصده بخصوصه ويتعيّن ، بخلاف غيره من القبور ، هذا لو لم يرد في زيارته دليل خاصّ ، فكيف وقد ورد في زيارته بخصوصه ما سبق من الأحاديث! وغيره لم يرد فيه إلّا الأدلة العامّة.
فزيارة قبره صلىاللهعليهوآلهوسلم مستحبّة بعينها ؛ لما ثبت من الأدلّة الخاصّة ، ولما فيها من المعاني العامّة التي لا تجتمع في غيره.
وأمّا زيارة قبر غيره ؛ فهي مستحبّة بالإطلاق.
وقد تقدّمت النصوص الدالّة على استحباب زيارة القبور ، وحكاية الإجماع على ذلك ، وأنّ من الناس من قال بوجوبها.
وفي كتاب «النوادر» لابن أبي زيد من «كتاب ابن حبيب» : ولا بأس بزيارة القبور ، والجلوس إليها ، والسلام عليها عند المرور بها ، وقد فعل ذلك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد قدم ابن عمر من سفر وقد مات أخوه عاصم ، فذهب إلى قبره فدعا له واستغفر ـ وفي غير «كتاب ابن حبيب» ـ : ورثاه فقال :
فإن تك أحزان وفائض دمعة |
|
جرين دماً من داخل الجوف منقعا |
تجرّعتها من عاصم واحتسيتها |
|
فأعظم منها ما احتسى وتجرّعا |
فليت المنايا كنّ خلّفن عاصماً |
|
فعشنا جميعاً أو ذهبن بنا معا |
دفعنا بك الأيّام حتّى إذا أتت |
|
تريدك لم نسطع لها عنك مدفعا |
قال ابن حبيب : وفعلته عائشة رضي الله عنها لمّا مات أخوها عبد الرحمن وهي غائبة ، فلمّا قدمت أتت قبره ، فدعت له واستغفرت.
قال : وقد خرج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى البقيع يستغفر لهم.
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا سلّم على أهل القبور يقول : «السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، يرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين ، وإنّا إن شاء الله بكم