الزيارة فقط ، والسفر المباح ، والسفر لغيرهما ، ولا حاجة بنا إلى الكلام في ذلك.
وأمّا قولك في القسم الثاني من أقسام السفر : «ما يقصد به قصره على قصد الزيارة لا غير» فهذه العبارة تحتمل أمرين :
أحدهما : أن يقصد الزيارة ، ويقصد أن لا يفعل معها قربة اخرى من تحيّة المسجد ولا غيرها ، وهذا الأمر لا يقصده عاقل غالباً ، وليس هو المسئول عنه ، فإنّ الناس إنّما يسألون عن الواقع منهم ، وبهم حاجة إلى معرفة حكمه ، فذكر هذا القسم هوس ، وإرادته في فتيا العامّة بعبارة يفهمون منها العموم تضليل.
ثمّ إنّا نقول : ولو فرض ذلك ، كان سفره قربة ؛ لأنّه قصد به قربة ، ولكن قصده ترك غيرها من القربات ليس بقربة.
الأمر الثاني : أن يقصد الزيارة ، ولا يخطر بباله أمر آخر بنفي ولا إثبات ، ولا وجه للتوقّف في كون ذلك قربة بعد العلم بكون الزيارة قربة ، ووسيلة القربة قربة.
والظاهر من صاحب هذا السؤال أنّه أراد هذا الأمر الثاني ، فإنّه الذي قال : إنّ الخصم إنّما أراد أن يبيّن كيفيّة الزيارة المستحبّة ، وهي أن تضمّ إليها قصد المسجد ، كما قاله غيره ، وقدّمنا الكلام على ذلك.
ففي هذه القطعة من كلامه بيان أنّ شرط الاستحباب في الزيارة عند الخصم (١) وغيره ، ضمّ قصد المسجد إليها ، ومقتضى ذلك أنّ عند عدم الضمّ ينفي الاستحباب ؛ سواء أراد عدم ما سواها من القرب أم لا؟
وهو يبيّن أنّ مراده فيما تقدّم ـ «بما يقصد قصره على قصد الزيارة لا غير» ـ المعنى الثاني الذي قدّمناه ، وهو عدم قصد سواها ، لا قصد عدمه ، وقد
__________________
(١) لاحظ كلام ابن تيمية في حكم الزيارة وشرطها : مجموع فتاوى ابن تيمية (٢٧ / ص ٢٦ ـ ٣٤) وقد نسب فيه إلى الفقهاء أحكاماً لم يقولوا بها ، واستفاد من الأحاديث معاني لا تفيدها ، فراجع.