فهذا الكلام من ابن تيمية رحمهالله يقتضي تضليل الناس كلّهم ، القاصدين لزيارة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعصيتهم.
وهذه عثرة لا تقال ، ومصيبة عظيمة ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
وقوله : «وأمّا إذا قدّر أنّ الرجل يسافر إليها لغرض مباح ، فهذا جائز ، وليس من هذا الباب».
مفهوم هذا الكلام أنّ غرض الزيارة ليس بمباح.
وقوله : «الوجه الثاني : أنّ النفي يقتضي النهي ، والنهي يقتضي التحريم».
ظاهر صدر كلامه أنّ كلام أبي محمّد يحتمل وجهين هذا ثانيهما ، وإنّما يتّجه هذا الوجه الثاني على سبيل الردّ لقول أبي محمّد ؛ يعني أنّ حمله على نفي الاستحباب خلاف الظاهر ؛ لأنّه نفي ، والنفي يقتضي النهي ، والنهي يقتضي التحريم.
وجواب هذا بالدليل المانع من حمله على التحريم ، وتعيّن المصير إلى المجاز.
على أنّ هذه العبارة فاسدة ؛ لأنّ النفي لا يقتضي النهي ، وإنّما يستعمل فيه على سبيل المجاز ، نعم قد يقال : بأنّ النهي يقتضي النفي على العكس ممّا قال ، أمّا كون النفي يقتضي النهي فلا يقول به أحد ، وإنّما مراده أنّه نفي بمعنى النهي.
وإذا عرف هذا ، فلأبي محمّد أن يقول : لا شكّ أنّ حقيقة النفي خبر ؛ لا يقتضي تحريماً ، ولا كراهة.
والنهي له معنيان ؛ أحدهما : هو فيه حقيقة ؛ وهو التحريم ، والآخر : هو فيه مجاز ؛ وهو الكراهة.
فإذا صرف النفي عن حقيقة الخبريّة إلى معنى النهي ، احتمل أن يستعمل في التحريم أو الكراهة ، وأيّا ما كان فاستعماله فيه مجاز ؛ لأنّ الخبر غير موضوع له ، فإنّ رجح استعماله في التحريم لبعض المرجّحات ، كان ذلك من باب ترجيح بعض المجازات على بعض ، وقد يكون ذلك الترجيح معارضاً بترجيح آخر.