بين حالتي السلام والدعاء ، وكذا ما قدّمناه الآن عن إبراهيم الحربيّ.
وقد صرّح أصحابنا بأنّه يأتي القبر الكريم ، فيستدبر القبلة ، ويستقبل جدار القبر ، ويبعد من رأس القبر نحو أربعة أذرع ، فيسلّم على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ يتأخّر عن صوب يمينه ، فيسلّم على أبي بكر رضى الله عنه ، ثمّ يتأخر أيضاً ، فيسلّم على عمر رضى الله عنه ، ثمّ يرجع إلى موقفه الأوّل قبالة وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويتوسّل به في حقّ نفسه ، ويستشفع به إلى ربّه سبحانه وتعالى ويقول حكاية العتبيّ (١) ، ثمّ يتقدّم إلى رأس القبر ، فيقف بين القبر والاسطوانة التي هناك ، ويستقبل القبلة ، ويحمد الله تعالى ويمجّده ، ويدعو لنفسه ولوالديه ومن شاء بما أحبّ.
وحاصله : أنّ استقبال القبلة في الدعاء حسن ، واستقبال القبر أيضاً حسن ، لا سيّما حالة الاستشفاع به ومخاطبته ، ولا أعتقد أنّ أحداً من العلماء كره ذلك ، ومن ادعى ذلك فليثبته.
وقوله : «إنّ الحكاية عن مالك مكذوبة».
فقد قدّمنا أنّ هذه الحكاية رواها القاضي عياض ، عن القاضي أبي عبد الله محمّد بن عبد الرحمن الأشعريّ ، وأبي القاسم أحمد بن بقيّ الحاكم ، وغير واحد فيما أجازوه ، قالوا : حدثنا أحمد بن عمر بن دلهاث ، حدثنا عليّ بن فهر ، حدثنا محمّد بن أحمد بن الفرج ، حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب ، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل ،
__________________
(١) قصّة العُتْبي مذكورة في أكثر مصادر مسألة الزيارة ، وجاءت في كتب الحديث ، والفقه ، والتاريخ ، فذكرها النووي في (الأذكار) (٥ / ٤٢ ـ ٤٣) المطبوع مع الفتوحات الربّانية وانظر هامشه (ص ٣٩). لكنها محذوفة من طبعة السعوديين السلفيين ، الامناء! في الرياض عام ١٤٠٩ ه.
وانظر المغني لابن قدامة (٣ / ٥٨٩) والشرح الكبير (٣ / ٤٩٤) وكشاف القناع للبهوتيّ (٢ / ٥١٥) والثلاثة الأخيرات من كتب فقه الحنبلية. وانظر الأحكام السلطانية للماوردي (ص ١٠٩ ـ ١١٠) ودفع الشبه للحِصْني (ص ١٤٢ ـ ١٤٤).