وإمّا أن نقول : إنّ المنقطع في الآخرة إنّما هو التكليف ، وقد تحصل الأعمال من غير تكليف ؛ على سبيل التلذّذ بها والخضوع لله تعالى ، ولهذا إنّهم يسبّحون ، ويدعون ، ويقرءون القرآن.
وانظر إلى سجود النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقت الشفاعة ، أليس ذلك عبادة وعملاً!!
وعلى كلا الجوابين ، لا يمتنع حصول هذه الأعمال في مدّة البرزخ.
وقد صحّ عن ثابت البنانيّ التابعيّ أنّه قال : اللهمّ إن كنت أعطيت أحداً أن يصلّي في قبره فأعطني ذلك.
فرُئي بعد موته يصلّي في قبره.
وتكفي رؤية النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لموسى قائماً يصلّي في قبره.
ولأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وسائر الأنبياء ، لم يقبضوا حتّى خيّروا بين البقاء في الدنيا ، وبين الآخرة ، فاختاروا الآخرة ، ولا شكّ أنّهم لو بقوا في الدنيا لازدادوا من الأعمال الصالحة ، ثمّ انتقلوا إلى الجنّة ، فلو لم يعلموا أنّ انتقالهم إلى الله أكمل ما اختاروا ، ولو كان انتقالهم من هذه الدار يفوّت عليهم زيادة فيما يقرّب إلى الله ، لما اختاروه.
فهذه نبذة من الأحاديث الصحيحة الدالّة على حياة الأنبياء.
والكتاب العزيز يدلّ على ذلك أيضاً ، قال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
وإذا ثبت ذلك في الشهيد ثبت في حقّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بوجوه :
أحدها : أنّ هذه رتبة شريفة اعطيت للشهيد ؛ كرامةً له ، ورتبة أعلى من رتبة الأنبياء ، ولا شكّ أنّ حال الأنبياء أعلى وأكمل من حال جميع الشهداء ، فيستحيل أن يحصل كمال للشهداء ، ولا يحصل للأنبياء ، لا سيّما هذا الكمال الذي يوجب زيادة القرب والزلفى والنعيم والانس بالعليّ الأعلى.