ومن الناس من قال : الروح جوهر مجرّد لا متحيّز ، ولا حالّ في متحيّز ، وهو مذهب حذّاق الفلاسفة ، والذي يظهر أنّ هذا مذهب الغزاليّ أيضاً ، وهكذا هو في «المضنون به على غير أهله الكبير» و «المضنون به على غير أهله الصغير» ولكنّ الآمديّ نقل عنه ما ذكرت.
و «المضنون الكبير» فيه أشياء من اعتقاد الفلاسفة خارجة عن اعتقاد المسلمين ، ولذلك إنّ بعض الفضلاء كان ينكر نسبته إلى الغزاليّ رحمهالله (١).
وهو في «الإحياء» في شرح عجائب القلب لم يفصح بذلك ، وإنّما قال : إنّها لطيفة ربّانية روحانيّة هي حقيقة الإنسان ، وهي المدرك العالم العارف من الإنسان ، وهي المخاطب المطالب ، ولهذه اللطيفة علاقة مع القلب الجسمانيّ ، وقد تحيّر أكثر العقول في إدراك وجه علاقته.
وقال : إنّ هذه اللطيفة الربّانية يطلق عليها «الروح» و «النفس» و «القلب» و «العقل» وهي غير الروح الجسمانيّ ، وغير النفس الشهوانيّة ، وغير القلب الصنوبريّ ، وغير العقل الذي هو العلوم ، فالمعاني خمسة ، والألفاظ أربعة ، كلّ لفظ
__________________
(١) وعلى ذكر هذا الكتاب ، نورد هذه الظريفة التي سجّلناها من قبل :
قال الوهابيّ السلفي مشهور حسن في كتابه (كتب حذر العلماء منها ١ : ٤٥) ما نصّه : الصنعاني (ت ١١٨٢) اصيبَ بالإسهال ، وطلب له العلاج ، فجيء له بكتابين : الأول (الإنسان الكامل) للجيلي ، والآخر (المظنون به على أهله «كذا!») للغزالي.
قال الصنعاني : طالعت الكتابين فوجدت فيهما كفراً صريحاً! فأمرت بإحراقهما بالنار ، وان يُطبخ على نارهما خبزٌ لي!
فأكل من ذلك الخبز بنيّة الشفاء (!) فما شكا بعد ذلك مرضاً.
نقول : لم يفهم جرو السلفية المغمور أنّه دلّ بهذا على كفر الصنعاني الذي طلب الشفاء من غير الله! وبإحراق الكتابين المشتملين على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأسماء الله والأنبياء!! وإن كان له في ذلك اسوة بسلفه!!