وهذا المعنى لا يشاركه أحد فيه ؛ سواء كان في الامم المتقدّمة من يدخل بغير حساب ، ويحتاج إلى شفاعة نبيّه ، أو لا.
وحينئذٍ تكون العبارة المحرّرة عن هذه الشفاعة : أنّها شفاعة في استفتاح الجنّة ، وإدخال أوّل زمرة تدخلها.
وهي في الرتبة الثانية من الشفاعة العظمى التي لفصل القضاء والإراحة من طول الوقوف في ذلك المكان.
وعبارة القاضي عياض ومن تابعه ، تقتضي إثبات شفاعته في إسقاط الحساب ، وهو من الامور الجائزة عقلاً ، فإن ورد به سمع اتُّبِعَ.
والقاضي عياض وغيره لمّا ذكروا ذلك ، أشاروا إلى الحديث المذكور ، وقد بيّنا ما يقتضيه ، وسنذكر في بعض أحاديث الشفاعة سؤال المؤمنين لآدم عليهالسلام في استفتاح الجنّة ، ونتكلّم على كون السؤال مرّتين أو مرّة.
وعلى كلّ تقدير ، فالشفاعة في استفتاح الجنّة ، متأخّرة الرتبة عن الشفاعة في فصل القضاء ، فيصلح عدّه شفاعة ثانية ، وكلاهما خاصّ بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بغير شكّ.
ومن تأمّل الأحاديث التي سنذكرها عرف : أنّ أوّل فصل القضاء تميّز الامم ، والأمر بأن تتبع كلّ امّة ما كانت تعبد ، إلى أن لا يبقى إلّا المؤمنون ، فيدخلون الجنّة زمراً ، وجميع ذلك ـ والله أعلم ـ يعطاه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في أوّل مرّة إذا رفع رأسه من السجود وشفع ، وقيل له : «أدخل الجنّة من لا حساب عليه من امّتك من الباب الأيمن ، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب» (١).
وقوله : «وهم» يعود على الامّة ، فإمّا أن يحمل على من لا يدخل النار ، أو على الجميع ، ويكون ذلك بشرى للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بدخولهم جميعهم الجنّة وإن تأخّر
__________________
(١) أخرجه صحيح البخاري (٥ / ٢٢٧) وصحيح مسلم (١ / ١٢٩) ومسند أحمد (٢ / ٤٣٦).