وقد صرّح الخصم بذلك في الكتاب الذي صنّفه في (الردّ على البكريّ) بعد عشر كراريس منه ، قال : إنّ القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان :
منهم من لم يرو إلّا عن ثقة عنده ، كمالك ، وشعبة ، ويحيى بن سعيد ، وعبد الرحمان بن مهديّ ، وأحمد بن حنبل ، وكذلك البخاريّ وأمثاله (١).
وقد كفانا الخصم بهذا الكلام مئونة تبيين أنّ أحمد لا يروي إلّا عن ثقة ، وحينئذٍ لا يبقى له مطعن فيه.
وأمّا قول العقيليّ : إنّه لا يتابع عليه ، وقول البيهقيّ : سواء قال : عبيد الله ، أم عبد الله ، فهو منكر عن نافع عن ابن عمر ، لم يأتِ به غيره.
فهذا وما في معناه يدلّك على أنّه لا علّة لهذا الحديث عندهم إلّا تفرّد موسى به ، وأنّهم لم يحتملوه له ؛ لخفاء حاله ، وإلّا ، فكم من ثقة يتفرّد بأشياء ويُقبل منه؟!
وأمّا بعد قول ابن عديّ فيه ما قال ، ووجود متابع ، فإنّه يتعيّن قبوله ، وعدم ردّه.
ولذلك ـ والله أعلم ـ ذكره عبد الحقّ رحمهالله (٢) في «الأحكام الوسطى» و «الصغرى» وسكت عنه.
وقد قال في خطبة «الأحكام الصغرى» : إنّه تخيّرها صحيحة الإسناد ، معروفة عند النقّاد ، قد نقلها الأثبات ، وتداولها الثقات.
وقال في خطبة «الوسطى» وهي المشهورة اليوم ب «الكبرى» : إنّ سكوته عن الحديث دليل على صحّته فيما يعلم ، وإنّه لم يتعرّض لإخراج الحديث المعتلّ كلّه ،
__________________
(١) الرد على البكري ، لابن تيمية ، لم نعثر عليه في ما طبع لابن تيمية من مجموع الفتاوي وغيره ، لكن ذكر اسمه في عداد (مجموع مؤلفاته ص ٦١ رقم ٢) وقال المؤلف : قطعة منه ، ومصدره : برلين الغربية رقم (٣٩٦٨) وقال يعرف بالاستغاثة.
(٢) هو عبد الحقّ الاشبيلي ، لاحظ رفع المنارة (ص ٢٨٠).