عنه ، فوجدت جماعة من الأئمّة قد تكلّفوا ما سألتني من ذلك ، وقد وعيت جميع ما ذكروه ، وحفظت عنهم أكثر ما نقلوه ، واقتديت بهم ، وأجبتك إلى ما سألتني من ذلك ، وجعلته أبواباً في جميع ما يحتاج إليه من أحكام المسلمين.
فأوّل من نصب نفسه لطلب صحيح الآثار البخاريّ ، وتابعه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وقد تصفّحتُ ما ذكروه ، وتدبّرتُ ما نقلوه ، فوجدتُهم مجتهدين فيما طلبوه ، فما ذكرته في كتابي هذا مجملاً فهو ممّا أجمعوا على صحّته ، وما ذكرته بعد ذلك ممّا يختاره أحد من الأئمّة الذين سمّيتهم ، فقد بيّنت حجّته في قبول ما ذكره ، ونسبته إلى اختياره دون غيره ، وما ذكرته ممّا يتفرد به أحد من أهل النقل للحديث فقد بيّنت علّته ، ودلّلت على انفراده دون غيره ، وبالله التوفيق.
قال في هذا الكتاب في آخر كتاب الحجّ : «باب ثواب من زار قبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم» عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من جاءني زائراً لم تنزعه حاجة إلّا زيارتي ، كان حقّاً عليّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة».
ولم يذكر ابن السكن في هذا الباب غير هذا ، وذلك منه حكم بأنّه مجمع على صحّته ؛ بمقتضى الشرط الذي شرطه في الخطبة (١).
__________________
(١) لقد تغافل ابن عبد الهادي في ردّه ، عن تصحيح ابن السكن للحديث وراح على عادة السلفية المتزمّتين ، يلوك بذكر الجروح في الرواة ، وغاية ما طرحه : أن هناك حديثاً واحداً ، رواه شيخان : أحدهما فيه زيارة القبر من دون «تعمله» والآخر فيه «تعمله» بلا ذكر القبر ، فمع ضعف الرواة لا يمكن الاعتماد عليه! لاحظ (الصارم ٥٠).
أقول : مع اعترافه بوحدة الحديث ، لا وجه لإغفاله تصحيح حافظ جليل مثل ابن السكن ولا الإعراض عن الطرق الكثيرة المذكورة هنا ، وفي الحديث الأول المتحد معه في الرواة.
وأما الدلالة : فمقتضى الجمع بين الدلالتين ، هو أن يكون مدلولهما الإعمال إلى زيارة القبر الشريف ، وهو الذي فهمه العلماء المحقّقون ، فأثبتوا هذه الأحاديث في أبواب زيارة القبر ،