أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ)(١) فلا يستفاد منه أنّ كلّ الآيات تكون نافعة للإنسان ، بل ربّ آية من آيات الله تكون ضرر على الإنسان ، كالمعصية التي كانت حاكية عن إعطاء القدرة لنا وهي من آياته تعالى ، فلا شكّ ولا ريب في أنّ مسألة تكثر اللغات مبعّد عن غاية الوضع ، فكيف ترتبط هذه بالله تعالى شأنه وجلّ جلاله؟!
والحاصل : أنّ الواضع لا يكون سوى البشر ، ولكنّه لا ينحصر بشخص واحد أو جماعة معيّنة ، بل كلّ مستعمل من أهل تلك اللغة واضع تدريجا ، فإنّا نرى بالوجدان أنّ المعاني الحادثة والمكتشفة التي يبتلى بها في ذلك العصر في التعبير عنها يكون الواضع فيها هو البشر ، ومن الواضح أنّ الغرض منه ليس إلّا أن يتفاهم بها وقت الحاجة ، ومن الظاهر أنّ حجم الغرض الداعي إليه يختلف سعة وضيقا بمرور الأيّام والعصور ، ففي العصر الأوّل كانت الحاجة إلى وضع ألفاظ قليلة بإزاء معان كذلك ؛ لقلّة الحوائج في ذلك العصر ، ثمّ ازدادت الحوائج مرّة بعد مرّة وقرنا بعد قرن ، بل وقتا بعد وقت.
وأمّا كيفيّة الوضع فقد تكون المعاني جزئيّة وقد تكون كلّيّة ، وإن كان المعنى جزئيّا ـ كالأعلام الشخصيّة ـ فلا شكّ في أنّ الشخص إذا أراد أن يضع اسما لولده ـ مثلا ـ يتصوّر أوّلا ذات ولده وثانيا لفظا يناسبه ، ثمّ يتعهّد في نفسه بأنّه متى قصد تفهيمه يخاطبه بذلك اللفظ. وأمّا إن كان المعنى كلّيّا يستعمل بعد التعهّد في فرد منه أوّلا ، وفي فرد آخر منه في استعمال آخر ، وهكذا ، فهذا يكشف أنّ مثل لفظ «الماء» ـ مثلا ـ وضع لجسم سيّال بارد بالطبع لا لفرد من أفراده ، بل لمفهوم كلّي ، فمسألة الوضع ومسألة تكثّر اللغات منوطة بالبشر.
__________________
(١) الروم : ٢٢.