وأمّا الجواب الثالث فيرد عليه : أنّ استفادة الملاك والمصلحة إنّما هو بملاحظة تعلّق الأمر ، بناء على ما ذكره العدليّة من أنّ الأوامر الواقعيّة تابعة للمصالح النفس الأمرية ، وإلّا فمع قطع النظر عن تعلّق الأمر لا سبيل لنا إلى استفادة المصلحة أصلا.
وحينئذ فنقول : بعد ما ثبت كون إطلاق الهيئة مقيّدا بحال الذكر لا مجال لاستفادة الملاك والمصلحة مطلقا حتّى في غير حال الذكر ، وتعلّق الأمر بالسجود ـ مثلا ـ إنّما يكشف عن كونه ذا مصلحة بالمقدار الذي ثبت كونه مأمورا به ، ولا مجال لاستفادة كونه ذا مصلحة حتّى إذا لم يكن مأمورا به ، كما في حال النسيان على ما هو المفروض بعد كون هذه الاستفادة مبتنية على مذهب العدليّة ، وهو لا يقتضي ذلك إلّا في موارد ثبوت الأمر ، كما هو واضح.
فالإنصاف أنّ هذا الجواب كسابقيه ممّا لا يدفع به الإيراد ولا ينهض للجواب عن القول بالتفصيل ، بل لا محيص عن هذا القول بناء على مذهبهم من انحلال الخطابات الكلّيّة بعدد المكلّفين وعدم إمكان كون الناسي مكلّفا ؛ لعدم شمول إطلاق الهيئة له ، وأمّا بناء على ما حقّقناه تبعا لاستاذنا السيّد الإمام رحمهالله من عدم انحلال الخطابات حسب تعدّد المخاطبين ، فلا مانع من كونه مكلّفا كالجاهل وغير القادر وغيرهما من المكلّفين المعذورين ، وحينئذ فلا يبقى فرق بين كون الأدلّة المتضمّنة لبيان الأجزاء بلسان الوضع أو بلسان الأمر ، كما لا يخفى.
فيستفاد من الدليل إطلاق الجزئيّة ولا تصل النوبة إلى الأصل الموافق أو المخالف.