أصالة البراءة
ينبغي تقديم مقدّمتين قبل الورود في أصل البحث وبيان الأدلّة :
المقدمة الأولى : أنّ الشيخ الأعظم الأنصاري قدسسره (١) جعل الشكّ في التكليف الذي هو مجرى البراءة على أقسام ثمانية ، باعتبار أنّ الشبهة تارة تكون تحريميّة واخرى وجوبيّة ، وعلى كلا التقديرين إمّا أن يكون منشأ الشكّ فقدان النصّ أو إجماله أو تعارض النصّين أو اشتباه الامور الخارجيّة ، والثلاثة الاولى راجعة إلى الشبهات الحكميّة ، والرابع راجع إلى الشبهات الموضوعيّة ، فهذه أقسام ثمانية وعقد لكلّ منها مسألة خاصّة.
والمحقّق الخراساني قدسسره طوى البحث عن الكلّ في فصل واحد وذلك لوحدة مناط البحث في الجميع ، فإنّ المناط في الكلّ هو الشكّ في التكليف ، والاختلاف في منشئه لا يصحّح عقد فصول متعدّدة ، بل يكفي عقد بحث واحد عام لمطلق الشكّ في التكليف ، وما فعله قدسسره هو الأنسب.
المقدّمة الثانية : أنّ النزاع بين الاصوليّين والأخباريّين في مسألة البراءة إنّما يرجع إلى صغرى المسألة لا الكبرى ، فإنّهما متّفقان على مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وأنّ العبد لا يستحقّ العقاب على مخالفة التكليف مع عدم وصوله إليه ، وإنّما الاختلاف في الصغرى حيث ذهب الأخباريّون إلى تماميّة
__________________
(١) الرسائل : ١٩٢.