كان من أوّل الأمر مشكوكا ، فلا مانع من جريان البراءة فيه.
ولكن قد يتوهّم أنّ المقام نظير الشكّ في القدرة ، والقاعدة فيه تقتضي الاحتياط بحكم العقل ، ولا يخفى أن التنظير غير صحيح ؛ لأنّ في مسألة الشكّ في القدرة يكون أصل ثبوت التكليف معلوما بلا ريب ، غاية الأمر أنّه يشكّ في سقوطه لأجل احتمال العجز عن إتيان متعلّقه.
وأمّا في المقام فيكون أصل ثبوت التكليف مجهولا ؛ لما عرفت من أن التكليف بالمركّب التامّ قد علم سقوطه بسبب العجز ، وبالمركّب الناقص يكون مشكوكا من أوّل الأمر ، فالتنظير في غير محلّه.
كما أن قياس المقام بالعلم الإجمالي الذي طرأ الاضطرار على بعض أطرافه ، حيث يحكم العقل بحرمة المخالفة القطعيّة مع العجز عن الموافقة القطعيّة ـ كما يظهر من الدرر (١) ، حيث اختار وجوب الإتيان بالمقدور عقلا فيما لو كان العجز طارئا عليه في واقعة واحدة؛ لأنّه يعلم بتوجّه التكليف إليه ، فإن لم يأت بالمقدور لزم المخالفة القطعيّة ـ ممّا لا يتمّ أيضا ؛ لعدم ثبوت العلم الإجمالي في المقام ، بل الثابت هو العلم التفصيلي بالتكليف المتعلّق بالمركّب التامّ الساقط بسبب العجز عنه ، والشكّ البدوي في ثبوت التكليف بالباقي المقدور ، فالحقّ جريان البراءة العقليّة في جميع الصور الثلاثة.
في جريان البراءة الشرعيّة
وأمّا البراءة الشرعيّة التي يدلّ عليها حديث الرفع فقال المحقّق الخراساني رحمهالله بعدم جريانها ؛ لأنّ الحديث في مقام الامتنان ، ولا منّة في إيجاب
__________________
(١) درر الفوائد للمحقّق الحائري رحمهالله : ٤٩٨.