والسرّ في ذلك : أنّ معنى الاستصحاب الجاري في الموضوعات هو الحكم بإبقاء الموضوع تعبّدا في زمان الشكّ ، وحيث إنّه لا معنى لذلك فيما لو لم يكن الموضوع مترتّبا عليه أثر شرعي فلا بدّ من أن يكون الموضوع المستصحب موضوعا لأثر شرعي ، ومن هنا يكون الاستصحاب الجاري في الموضوعات حاكما على الأدلّة الواقعيّة لأنّه ينقّح به موضوعاتها ، وتفصيل الكلام يأتي في مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن نجاسة الملاقي وإن كانت من الآثار الشرعيّة لنجاسة الملاقى ، إلّا أنّ طهارة الملاقي لم تجعل في شيء من الأدلّة الشرعيّة من آثار طهارة الملاقى ، وإنّما هو حكم عقلي ، كما هو واضح ، فما أفادوه من أنّ الشكّ في طهارة الملاقي مسبّب عن الشكّ في طهارة الملاقى ، ومع جريان الأصل فيها لا يبقى مجال لجريانه في المسبّب ، ممنوع جدّا ، فجريان الأصل في الملاقي باق بقوّته.
شبهة المحقّق الحائرى وجوابها
ثمّ إنّ هنا شبهة لبعض المحقّقين من المعاصرين ، وهي تبتني على مقدّمتين :
الأولى : أنّه إذا لاقى الإناء الثالث الإنائين المشتبهين فيقع الشكّ أوّلا في أنّ هذا المائع الواقع في هذا الإناء طاهر أم نجس؟ وثانيا في أنّ شربه حلال أم لا؟
الثانية : أنّه كما أنّ طهارة الملاقي مسبّب عن طهارة الملاقى ، كذلك حلّيّة كلّ واحد من الإناءات الثلاث مسبّب عن طهارته ، فالحلّيّة في كلّ منها في الرتبة المتأخّرة عن طهارته ، فالشكّ في طهارة الملاقي يكون في مرتبة الشكّ في حلّيّة الملاقى ، بمعنى أنّ كليهما مسبّبان عن الشكّ في طهارة الملاقى.