فالإنصاف : أنّه لا مجال للإشكال في ظهور الحديث فيما ذكرنا ، وعليه فيتمّ الاستدلال به للمقام ؛ لعدم اختصاصه بالميسور من أفراد العام ، بل الظاهر كونه أعمّ منه ومن الميسور من أجزاء الطبيعة المأمور بها.
نعم ، يبقى الكلام في اختصاصه بالواجبات أو شموله للمستحبّات أيضا ، والظاهر هو الأوّل ؛ لأنّ اعتبار الثبوت في العهدة واشتغال الذمّة ـ كما يستفاد من كلمة «لا يسقط» ـ يتنافي مع كونه مستحبّا ، كما هو واضح.
نعم ، لو قلنا بشمول الحديث للمستحبّات لا يبقى مجال للاستدلال به حينئذ ؛ لأنّه يصير عدم السقوط أعمّ من الثبوت بنحو اللزوم ، فيحتمل أن يكون الثابت في الواجبات أيضا هو الثبوت ولو بنحو الاستحباب.
نعم ، لو كان المراد من الحديث هو عدم سقوط الميسور بما له من الحكم تمّ الاستدلال به حينئذ ولو قلنا بشموله للمستحبّات ، ولكن قد عرفت فساد هذا الاحتمال.
الكلام في مفاد العلوي الثاني
وأمّا العلوي الثاني وهو قوله : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» فلا يخفى أنّ الظاهر من كلمة الموصول أو الموضوع في القضيّة هو مطلق الأفعال الراجحة ، واجبة كانت أو مستحبّة ، ولا يشمل المباحات والمكروهات والمحرّمات ـ إلّا أنّ المخرج لهذه الموارد الثلاثة ، هل هو عنوان الحكم كما قال به الشيخ رحمهالله ، أو عنوان الموضوع قبل أن يصل إلى الحكم كما هو التحقيق؟ ـ لكن يعارضه ظهور قوله : «لا يترك» ـ أي الحكم في القضيّة ـ في حرمة الترك ، وهي غير متحقّقة في المستحبّات ، فيختصّ بالواجبات بناء على ترجيح ظهور الذيل ، وكون «لا يترك» أظهر في مفاده من الموصول في العموم ، كما أنّه لا يدلّ