إلّا على مرجوحيّة الترك لو قلنا بترجيح ظهور الصدر لا حرمته ، فالأمر يدور بين ترجيح أحد الظهورين على الآخر.
وما أفاده الشيخ الأنصاري رحمهالله من أنّ قوله : «لا يترك» كما أنّه يصير قرينة على تخصيص الصدر بغير المباحات والمكروهات والمحرّمات ، كذلك لا مانع من أن يصير قرينة على إخراج المستحبّات أيضا ؛ لعدم الفرق بينها (١) ؛ محلّ نظر ، بل منع ؛ لأنّ اختصاص الموصول بغير الموارد الثلاثة إنّما هو بواسطة قوله : «لا يدرك كلّه» ، لأنّ التعبير بالإدراك إنّما هو فيما كان الشيء أمرا راجحا يحصل الداعي إلى إتيانه لذلك ، ولا يقال في مثل المحرّمات والمكروهات ، بل وكذا المباحات ، كما يظهر من تتّبع موارد استعماله ، فلا يكون تخصيص الموصول بغيرها لأجل قوله : «لا يترك» حتّى لا يفرّق بينها وبين المستحبّات ، فالظاهر دوران الأمر بين ترجيح أحد الظهورين.
فيمكن أن يقال بترجيح ظهور الذيل لأجل ترجيح ظهور الحكم على ظهور الموضوع ، كما قد قيل.
ويمكن أن يقال بترجيح ظهور الصدر ؛ لأنّه بعد انعقاد الظهور له وتوجّه المكلّف إليه يمنع ذلك من انعقاد الظهور للذيل. فظهور الصدر مانع عن أصل انعقاد الظهور بالنسبة إلى الذيل ، وظهور الذيل لا بدّ وأن يكون رافعا لظهور الصدر ، فيدور الأمر حينئذ بين الرفع والدفع ، والثاني أهون من الأوّل ، فالمستفاد من الحديث رجحان الإتيان بالميسور لا لزومه.
فلا يكون الحديث صالحا للاستدلال في ما نحن فيه.
ثمّ إنّ المراد بكلمة «كلّ» في الموضعين يحتمل أن يكون هو الكلّ المجموعي
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٤٩٨ ـ ٤٩٩.