جريان البراءة العقليّة في دوران الأمر بين المحذورين
لا يخفى أنّ العلم الإجمالي بالتكليف بيان منجّز له ، فلا بدّ من الاحتياط في مقام العمل ، كما إذا علمنا إجمالا بتعلّق التكليف في يوم الجمعة إمّا بصلاة الظهر ، وإمّا بصلاة الجمعة ، وأمّا في دوران الأمر بين المحذورين فلا يكون كذلك ، فإنّ العلم الإجمالي هنا بيان لجنس التكليف وهو الإلزام ، ولا يترتّب عليه الأثر ؛ لعدم إمكان موافقة كلّي الإلزام الدائر أمره بين الفعل والترك ، وأمّا بالنسبة إلى الخصوصيّات النوعيّة ـ كالوجوب بخصوصه أو الحرمة بخصوصها ـ فلا يكون البيان تامّا ، فالعقاب عليها قبيح ، فيكون هنا مجرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، ولازم ذلك تحقّق المؤمّن من العقاب ، فلا إشكال في جريان البراءة العقليّة.
والعجب من أعاظم المحقّقين حيث ذهبوا إلى عدم جريانها لعدّة وجوه :
منها : ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّه لا مجال هاهنا لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ فإنّه لا قصور في البيان هاهنا ، وإنّما يكون عدم تنجّز التكليف لعدم التمكّن من الموافقة القطعيّة كمخالفتها ، والموافقة الاحتماليّة حاصلة لا محالة ، كما لا يخفى (١).
__________________
(١) كفاية الاصول ٢ : ٢٠٦.