وفيه : أنّ المراد بعدم القصور في البيان إن كان هو عدم القصور بالنسبة إلى جنس التكليف فواضح ، ونحن أيضا نقول به ، ولكن لا أثر له بعد عدم كون المكلّف قادرا على الامتثال ، وإن كان المراد به هو عدم القصور بملاحظة النوع أيضا فنحن نمنع ذلك ؛ لتحقّق كمال القصور فيه بعد ما كانت خصوصيّة الوجوب والحرمة مجهولة.
ومنها : ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله : من أنّ مناط البراءة العقليّة قبح العقاب بلا بيان ، وفي باب دوران الأمر بين المحذورين يقطع بعدم العقاب ؛ لأنّ وجود العلم الإجمالي كعدمه لا يقتضي التنجيز والتأثير ، فالقطع بالمؤمّن حاصل بنفسه بلا حاجة إلى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان (١).
وفيه : أنّ القطع بعدم العقاب وبوجود المؤمّن ممّا لا يحصل لو اغمض النظر عن حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، ومجرّد سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز والتأثير وصيرورة وجوده كعدمه لا يفيد ما لم تنضمّ إليه القاعدة ، كيف ولو فرض جواز العقوبة على خصوصيّة الوجوب مثلا حتّى لو كانت مجهولة فمن أين يقطع بعدم العقاب ووجود المؤمّن حينئذ؟ فهذا القطع إنّما هو بملاحظة هذه القاعدة.
ومنها : ما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله وملخّصه : أنّ مع حصول الترخيص في الرتبة السابقة على جريان البراءة بحكم العقل بالتخيير بين الفعل والترك لا يبقى مجال لجريان أدلّة البراءة العقليّة والشرعيّة (٢).
وفيه : أنّ الحكم بتأخّر رتبة أدلّة البراءة عن حكم العقل بالتخيير بين الفعل
__________________
(١) فوائد الاصول ٣ : ٤٤٨.
(٢) نهاية الأفكار ٣ : ٢٩٣.