وحينئذ نقول : هنا ستّة اصول في الأطراف الثلاثة : ثلاثة منها أصالة الطهارة ، وثلاثة أصالة الحلّيّة ، والاثنان منها ـ وهما أصالة الطهارة في الملاقى وأصالة الطهارة في الطرف ـ يسقطان أوّلا ؛ لأنّهما في رتبة واحدة ، وثلاث منها ـ وهي أصالة الحلّيّة فيهما وأصالة الطهارة في الملاقي في رتبة ثانية ـ فمع سقوط أصالتي الحلّيّة ـ كما هو المفروض ـ تسقط أصالة طهارة الملاقي أيضا ، ولم يبق في البين إلّا أصالة الحلّيّة في الملاقي ، وهي واقعة في رتبة ثالثة ، ولا وجه لسقوطها ، لسلامتها عن المعارض ، والمفروض أنّه لا يكون أصل حاكم عليها ؛ لأنّ الأصل الحاكم غير جار لأجل المعارضة.
وحينئذ فلا يجب الاجتناب عن الملاقي بالنسبة إلى الأكل ونظائره ، ولا يكون محكوما بالطهارة شرعا ، فلا يجوز التوضّي به.
هذا ، ويمكن الجواب عن الشبهة ـ مضافا إلى ما عرفت سابقا ـ بأنّ أصالة الحلّيّة في مطلق الشبهات ممّا لم يدلّ عليها دليل ؛ لأنّ ما يتوهّم أن يكون مستندا لها هي رواية مسعدة بن صدقة المتقدّمة (١) ، وقد عرفت الإشكال فيها بحيث لا يجوز الاعتماد عليها ، وأمّا مثل قوله : «كلّ شيء فيه حلال وحرام» إلى آخره ، كما في صحيحة عبد الله بن سنان (٢) ، فقد ظهر لك أنّ ذلك يختصّ بالشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ، ومقتضى عمومها وإن كان الشمول للشبهة المحصورة أيضا إلّا أنّ الدليل العقلي أو العقلائي قد خصّصه ، فانحصر مورده بالشبهة الغير المحصورة.
وأمّا التمسّك في نفي الحرمة المجهولة بأدلّة البراءة فهو وإن كان صحيحا ، إلّا
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٨٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.
(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٨٧ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١.