أنّك عرفت عدم شمول أدلّة البراءة لأطراف العلم الإجمالي. وبالجملة ، فليس هنا ما يحكم بالحلّيّة وعدم الحرمة أصلا.
وكيف كان ، فلو سلّم ذلك فيمكن الجواب بما عرفت من أنّ الأصل الجاري في السبب إنّما يكون حاكما على الأصل الجاري في المسبّب إذا كان المسبّب من الآثار الشرعيّة المترتّبة على السبب ، والمقام لا يكون كذلك ، فإنّ حلّيّة كلّ واحد من الأطراف لا تكون من الآثار الشرعيّة لطهارته ؛ لأنّه لم يدلّ دليل على أنّ كلّ طاهر حلال ، بل الحلّيّة الواقعيّة إنّما يكون موضوعها الأشياء التي هي حلال بعناوينها الواقعيّة ، كما هو واضح.
كما أنّك عرفت أنّ طهارة الملاقي أيضا لا تكون من الآثار الشرعيّة المترتّبة على طهارة الملاقى ، وحينئذ فلا بدّ من ملاحظة طرفي العلم الإجمالي الحادث أوّلا ، المؤثّر في التنجيز ، والحكم بعدم جريان الاصول في طرفيه ؛ للزوم المخالفة العمليّة.
وأمّا ما هو خارج عنهما ـ كالملاقى ـ فلا مانع من جريان أصالتي الطهارة والحلّيّة فيه أصلا ، وحينئذ فيصير مقتضى الأصل الشرعي موافقا لحكم العقل الحاكم بالتفصيل بين الصور الثلاثة المتقدّمة في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله ، فتأمّل جيّدا.
هذا كلّه بناء على ما هو مقتضى التحقيق.
وأمّا بناء على مسلك القوم من اعتبار أصالة الحلّيّة في مطلق الشبهات وترتّب الحلّيّة على الطهارة ، وكذا ترتّب طهارة الملاقي ـ بالكسر ـ على طهارة الملاقى ـ بالفتح ـ وكون الشكّ في الأوّل مسبّبا عن الشكّ في الثاني بحيث لم يكن مجال لجريان الأصل فيه بعد جريانه في السبب ، فلا بدّ من التفصيل بين الصور