قوتلتم قاتلنا معكم ؛ وان أخرجتم خرجنا معكم ؛ وقد حكى القرآن عمل المنافقين وشهّر بنفاقهم وكذبهم ، قال تعالى :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (١٣).
وقد طمع اليهود في معونة المنافقين ومؤازرتهم ، فتحصّنوا في حصونهم ، وتأخروا عن الجلاء ، وظنوا أنّهم مانعتهم حصونهم من الله ، فحاصرهم (ص) وضيّق عليهم الخناق ، ثم أمر بقطع نخيلهم ليكون ذلك أدعى الى تسليمهم ، ثم قذف الله الرعب في قلوب اليهود ، ولم يجدوا معونة من المنافقين ، ويئسوا من صدق وعودهم ، فسألوا رسول الله (ص) أن يجليهم ويكف عن دمائهم ، وأنّ ما لهم ممّا حملت الإبل من أموالهم إلّا آلة الحرب. فأجابهم النبي (ص) إلى طلبهم ، وصار اليهود يخرّبون بيوتهم بأيديهم ، كي لا يسكنها المسلمون.
ولمّا سار اليهود ، نزل بعضهم بخيبر ، ومن أكابرهم حيي بن أخطب ، وسلام بن أبي الحقيق.
ومنهم من سار الى أذرعات بالشام ، وقد أسلم منهم اثنان : يامين بن عمرو ، وأبو سعد بن وهب.
وكانت أموال بني النضير فيئا خالصا لله وللرسول ، ولم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فقسّمها رسول الله (ص) بين المهاجرين خاصة ، دون الأنصار ، عدا رجلين من الأنصار فقيرين ، هما سهل بن حنيف ، وأبو دجانة سماك بن خرشة ؛ وكان المهاجرون قد تركوا بلادهم وأموالهم ، وهاجروا فرارا بدينهم الى المدينة ؛ وقد استقبلهم الأنصار ، بالبشر والتّرحاب ، والمعونة الصادقة ، والإيثار الكريم. فلما فاتت الفرصة ، وزّع النبي (ص) الفيء على المهاجرين خاصة لتحسين أحوالهم المادّية ، ولكي لا يكون المال متداولا بين الأغنياء وحدهم.
قال تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ