بِالْمَوَدَّةِ) [الآية ١]، فنهاهم عن موالاة المشركين الذين أخرجوهم من ديارهم ، ووبّخ من يسرّ إليهم بالمودة من المنافقين ، وذكر أنهم إن يلتقوا بهم يكونوا لهم أعداء ويؤذوهم بالفعل والقول ، وهدّدهم إذا راعوا في ذلك ما بينهم من قرابة بأنها لن تنفعهم يوم القيامة ، بل يفصل فيها بينهم ، ولا ينتفع بعضهم بقرابة بعض ، ثمّ أخبرهم ، جلّ وعلا ، بما كان من إبراهيم والذين معه إذ تبرّأوا من قومهم وعادوهم ، ليكون لهم قدوة حسنة فيهم ؛ ثم ذكر أنهم إذا عادوهم ترجى مودّتهم بإسلامهم ، لأنّ العداوة قد تكون سببا في المودّة ، ثم ذكر ، سبحانه ، أنه لا ينهاهم عن موالاة الذين لم يقاتلوهم في الدّين ، ولم يخرجوهم من ديارهم ، وإنّما ينهاهم عن موالاة الذين فعلوا ذلك معهم. وكان في صلح الحديبية أن يردّ النبي (ص) على قريش من يهاجر إليه منهم ، فجاءته سبيعة بنت الحارث مسلمة ، وهو لا يزال بالحديبية ، فأقبل زوجها يطلب ردّها إليه على ما جاء في الصلح بينهم ، وكذلك فعل غيرها من النساء ، فجاء أهلهن يطلبون ردّهن ، فأجابهم النبي (ص) بأن هذا الشرط في الرجال دون النساء ، وذكر الله تعالى في ذلك أنه إذا جاءهم المؤمنات مهاجرات فليمتحنوهنّ ، فإن علموهنّ مؤمنات لا يرجعوهنّ إلى الكفّار ، لأنّهنّ محرّمات عليهم ، وهم محرّمون عليهنّ ؛ وأحلّ للمسلمين أن ينكحوهنّ إذا دفعوا لهنّ مهورهنّ ، إلى غير هذا ممّا ذكره في أمرهنّ ؛ ثمّ أمر النبي (ص) إذا جاءه المؤمنات مهاجرات يبايعنه ، ألّا يشركن ، ولا يسرقن ، ولا يزنين ، ولا يقتلن أولادهن ، ولا يأتين ببهتان من نميمة أو نحوها ، ولا يعصينه في معروف أن يبايعهنّ ويستغفر لهنّ الله ، إنّ الله غفور رحيم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) (١٣).