الْأُخْرى) (٢٠) فوصف الثالثة بالأخرى ، والعرب إنما تصف بالأخرى الثانية لا الثالثة ، فظاهر اللفظ يقتضي أن يكون قد سبق ثالثة أولى ، ثم لحقتها الثالثة الأخرى فتكون ثالثتان؟
قلنا : الأخرى نعت للعزّى تقديره : أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة لأنها ثالثة الصنمين في الذكر ، وإنما أخّر الأخرى رعاية للفواصل ، كما قال سبحانه : (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) (١٨) [طه] ولم يقل أخر رعاية للفواصل.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٢٨) ، أي لا يقوم مقام العلم ، مع أنه يقوم مقام العلم في صورة القياس؟
قلنا : المراد به هنا الظّن الحاصل من اتّباع الهوى دون الظّنّ الحاصل من النظر والاستدلال ؛ ويؤيده قوله تعالى قبل هذا : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) [الآية ٢٣].
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٣٩) وقد صح في الأخبار وصول ثواب الصدقة والقراءة والحج وغيرها الى الميت؟
قلنا : فيه وجوه : أحدها ما قاله ابن عبّاس رضي الله عنهما أنها منسوخة بقوله تعالى : (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الطور : ٢١] ، معناه أنه أدخل الأبناء الجنّة بصلاح الآباء ، قالوا وهذا لا يصح لأنّ الآيتين خبر ، ولا نسخ في الخبر. الثاني : أن ذلك مخصوص بقوم إبراهيم وموسى (ع) ، وهو حكاية ما في صحفهم ، فأمّا هذه الأمّة فلها ما سعت وما سعى لها. الثالث أنه على ظاهره ، ولكن دعاء ولده وصديقه وقراءتهما وصدقتهما عنه من سعيه أيضا ، بواسطة اكتسابه للقرابة أو الصداقة أو المحبّة من الناس ، بسبب التقوى والعمل الصالح.
فإن قيل : لم قال تعالى بعد تعديد النقم : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) (٥٥) والآلاء هي النعم؟
قلنا : إنما قال سبحانه بعد تعديد النعم والنقم نعم ، لما فيها من الزجر والمواعظ ، فمعناه : فبأيّ نعم ربّك الدالّة على وحدانيته تشكّ يا وليد بن المغيرة.