إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) (٥٣).
هذه السورة تربط القلب البشري بالله ، سبحانه ، وترشده الى عظيم صنعه ، وفي ختام السورة يؤكد الله ، جلّ جلاله هذا المعنى فيبيّن أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليعرفوه ويوحّدوه ويؤمنوا به ، فهو سبحانه وتعالى غنيّ بذاته ، وهم في حاجة وافتقار اليه.
إن معنى العبادة هو الخلافة في الأرض ، وهو غاية الوجود الإنساني ، وهو أوسع من مجرد الشعائر وأشمل. وتتمثل حقيقة العبادة في أمرين رئيسيّين :
الأول : هو استقرار معنى العبودية لله تعالى في النفس ، أي استقرار الشعور بأنه ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود ، إلا رب واحد والكل له عبيد.
والثاني : هو التوجه الى الله عزوجل ، بكل حركة في الضمير ، وكل حركة في الجوارح ، وكل حركة في الحياة.
بهذا وذلك يتحقّق معنى العبادة ، ويصبح العمل كالشعائر والشعائر كعمارة الأرض ، وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله ؛ كلها عبادة ؛ وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها ، وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شيء لله دون سواه.
والمؤمن الحق هو الحريص على أداء واجباته ومرضاة ربه ، وهو لا يعني نفسه بأداء الواجبات تحقيقا لمعنى العبادة في الأداء ، أما الغايات فموكولة لله يأتي بها وفي قدره الذي يريده.
إن الله تعالى لم يخلق الجن والإنس ليستعين بهم ، لجلب منفعة لذاته أو دفع مضرة ، وما يريد الله منهم أن يرزقوا أحدا من خلقه أو يطعموه. إنّ الله سبحانه وتعالى هو الكفيل برزقهم ، والمتفضّل عليهم بما يقوم بمعيشتهم ، وهو سبحانه ذو القدرة والقوة ، وهو الغالب على أمره فلا يعجزه شيء.
وفي ضوء هذه الحقيقة ينذر الذين ظلموا ، فلم يؤمنوا بأن لهم نصيبا من العذاب مثل نصيب من سبقهم من الظالمين ، فالله يمهل ولا يهمل ، وتختتم السورة بهذا الإنذار الأخير : (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ