بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (٤٤) استعارة. ولها نظائر في القرآن. منها قوله تعالى : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) (١١) [المزّمّل] وقوله سبحانه : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (١١) [المدّثّر]. ومعنى ذلك أن الكلام خرج على مذهب للعرب معروف ، وغرض مقصود. يقول قائلهم لمخاطبه إذا أراد تغليظ الوعيد لغيره : ذرني وفلانا فستعلم ما أنزله به. فالمراد إذن بهذا الخطاب النبي (ص). فكأنه تعالى قال له : ذر عقابي وهؤلاء المكذّبين. أي اترك مسألتي في التخفيف عنهم ، والإبقاء عليهم. لأنّ الله سبحانه لا يجوز عليه المنع ، فيصحّ معنى قوله تعالى لنبيّه (ص) : ذرني وكذا ، لأنه المالك لا ينازع ، والقادر لا يدافع.
وفي قوله تعالى : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) (٥١) استعارة. والمراد بالإزلاق هاهنا : إزلال القدم حتّى لا يستقر على الأرض. وذلك خارج على طريقة للعرب معروفة. يقول القائل منهم : نظر إليّ فلان نظرا يكاد يصرعني به. وذلك لا يكون إلا نظر المقت والإبغاض ، وعند النزاع والخصام. وقال الشاعر :
يتقارضون إذا التقوا في موقف |
|
نظرا يزيل مواقف الأقدام |
وقد أنكر بعض العلماء أن يكون المراد بقوله تعالى : (لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) [الآية ٥١] الإصابة بالعين ، لأنّ هذا من نظر السخط والعداوة ، وذلك من نظر الاستحسان والمحبّة.