يقال في عيشة مرضيّة. ولكن المعنى خرج على مخرج قولهم : شعر شاعر ، وليل ساهر. إذا شعر في ذلك الشعر وسهر في ذلك الليل ، فكأنهما وصفا بما يكون فيهما ، لا بما يكون منهما. فبان أنّ تلك العيشة ، لما كانت بحيث يرضي الإنسان فيها حاله جاز أن توصف هي بالرضا. فيقال راضية. على المعنى الذي أشرنا إليه. وعلى ذلك قول أوس بن حجر : (٢) جدلت على ليلة ساهرة بصحراء شرج إلى ناظره (٣) وصف الليلة بصفة الساهر فيها ، وظاهر الصفة أنها لها.
وقال بعضهم : إنّما قال تعالى : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٢١) لأنها في معنى ذات رضى ، كما قيل : لابن وتامر. أي ذو لبن وتمر.
وكما قالوا لذي الدّرع : دارع ، ولذي النّبل : نابل ، ولصاحب الفرس : فارس. وإنما جاءوا به على النّسب ، ولم يجيئوا به على الفعل. وعلى ذلك قول النابغة الذبياني (٤) :
كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب أي : ذي نصب. قال فكأن العيشة أعطيت من النعيم حتّى رضيت ، فحسن أن يقال : راضية ، لأنّها بمنزلة الطالب للرضا ، كما أنّ الشهوة بمنزلة الطالب المشتهى.
وفي قوله سبحانه : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) (٤٥) استعارة على أحد التأويلات ، وهو أن يكون المراد باليمين هاهنا القوّة والقدرة. فيكون المعنى : أنه لو فعل ما نكره فعله لانتقمنا منه عن قدرة ، وعاقبناه عن قوّة.
وقد يجوز أن تكون اليمين هاهنا
__________________
(٢). هو أوس بن حجر بن مالك التميمي ، كان شاعر تميم في الجاهلية ، وعمّر طويلا ، ولم يدرك الإسلام ؛ وفي شعره رقة وحكمة. وهو صاحب الأبيات المشهورة التي أولها :
أيتها النفس أجملي جزعا |
|
إن الذي تحذرين قد وقعا |
(٣). البيت في «الأغاني» ج ١١ ص. ٧٢ وفي مخطوطتنا هذه «حدلت» بالحاء المهملة ، وفي أصول «الأغاني» خذلت بالخاء والذال المعجمتين. وجدلت : صرعت. وشرج ، وناظرة : اسما مكان بأرض بني أسد.
(٤). هو أشهر من أن نعرّف به هنا ، وهو من شعراء الجاهلية المقدّمين ، وأخباره مع النعمان بن المنذر واعتذاراته له معروفة متعالمة.