وعندهم ، أنّ كل ما ينشأ بالليل من قراءة ، أو تهجّد ، أو طروق ، أو ترحّل أشقّ على فاعله ، وأصعب على مستعمله ، لأنّ الليل موحش هائل ، ومخوف محاذر. فكل ما وقع فيه مما أومأنا إليه ، كان كالنسيب له ، والشبيه به.
وفي قوله سبحانه : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) (٧) استعارة. والمراد بها المضطرب الواسع ، والمجال الفاسح. وذلك مأخوذ من السباحة في الماء ، وهي الاضطراب في غمراته ، والتقلّب في جهاته. فكأنه سبحانه قال : إن لك في النهار متصرّفا ومتّسعا ، ومذهبا منفسحا ، تقضي فيه أوطارك ، وتبلغ آرابك.
وفي قوله سبحانه : (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) (١٧) استعارة. والمراد بها : أن الولدان الذين هم الأطفال ، لو جاز أن يشيبوا لرائع خطب ، أو طارق كرب ، لشابوا في ذلك اليوم ؛ لعظيم أهواله ، وفظاعة أحواله. وذلك كقول القائل : قد لقيت ، من هذا الأمر ، ما تشيب منه النواصي ، كناية عن فظيع ما لاقى ، وعظيم ما قاسى.