[الآيات ٣١ ـ ٣٣] : ورد أن هذه الآيات تعني شخصا معيّنا بالذات ، قيل هو أبو جهل : (عمرو بن هشام) ، وكان يجيء أحيانا إلى رسول الله (ص) ، يسمع منه القرآن ، ثم يذهب عنه فلا يؤمن ولا يطيع ، ولا يتأدّب ولا يخشى. ويؤذي رسول الله (ص) بالقول ، ويصدّ عن سبيل الله ؛ ثم يذهب مختالا بما فعل ، فخورا بما ارتكب من الشر ، كأنه لم يفعل شيئا يذكر ، و (يتمطّى) أي يمط في ظهره ويتعاجب تعاجبا ثقيلا كريها.
وكم من أبي جهل في تاريخ الدعوة إلى الله ، يسمع ويعرض ، ويتفنّن في الصّدّ عن سبيل الله ، والأذى للدعاة.
[الآيتان ٣٤ ـ ٣٥] : ويل لك مرة بعد أخرى ، وأهلكك الله هلاكا أقرب لك من كلّ شر وهلاك ؛ وهو تعبير اصطلاحي يتضمن التهديد والوعيد ، (ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) ، أي يتكرر هذا الدعاء عليك مرة أخرى.
روى قتادة «أن النبي (ص) أخذ بيد أبي جهل ، فقال : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٣٥) ، فقال عدو الله : أتوعدني يا محمّد ، والله لا تستطيع أنت وربّك شيئا ، وإنّي لأعزّ من مشى بين جبليها». فأخذه الله يوم بدر بيد المؤمنين.
[الآية ٣٦] : أيحسب الكافر أن يترك مهملا ، لا يؤمر ولا ينهى ولا يبعث ولا يجازى؟ لقد كانت الحياة في نظر القوم حركة لا علّة لها ولا هدف ولا غاية : أرحام تدفع ، وقبور تبلع ، وبين هاتين لهو ولعب ، وزينة وتفاخر ؛ فلفتت الآية نظر الإنسان إلى التقدير والتدبير في حياته ؛ وأنّه لا بدّ من البعث والجزاء ، ليتميّز الصالح من الطالح ، والمؤمن من الكافر ؛ ثمّ يأتي ما بعدها بالدلائل الواقعية على هذا القول.
[الآيات ٣٧ ـ ٣٩] : فما هذا الإنسان؟ مم خلق؟ وكيف كان؟
ألم يك نطفة صغيرة من الماء من منيّ يراق؟ ألم تتحول هذه النطفة إلى علقة ذات وضع خاص في الرحم ، تعلق بجدرانه لتعيش وتستمدّ الغذاء؟ فمن ذا الذي ألهمها هذه الحركة؟ ومن ذا الذي وجّهها هذا الاتجاه؟
ثم من ذا الذي خلقها بعد ذلك الحين جنينا معتدلا منسق الأعضاء؟ مؤلّفا جسمه من ملايين الملايين من الخلايا الحيّة ، وهو في الأصل خليّة