ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) ، فعاتب النبي (ص) على تحريم العسل الذي أحلّه له ابتغاء مرضاة أزواجه ، وذكر ، سبحانه ، أنه شرع لهم أن يتحلّلوا من أيمانهم بالكفّارة ، ليتحلّل النبيّ (ص) من يمينه ويعود إلى شرب العسل ؛ وكان النبيّ (ص) قد أسرّ إلى حفصة بتحريمه لئلّا يحرّمه أصحابه على أنفسهم اقتداء به ، فأخبرت به عائشة ، وأطلعه الله على إفشائها سرّه ؛ ثم ذكر ، جلّ وعلا ، لهما أنهما إن يتوبا ممّا فعلا كان خيرا لهما لأنّ قلوبهما مالت عن الحق بما فعلا ، وأنهما إن يستمرّا على تظاهرهما على النبي (ص) ، فإنه ، جلّ شأنه ، هو مولاه وجبريل والمؤمنون والملائكة ، وعسى ، إن طلقهنّ ، أن يبدله أزواجا خيرا منهن ؛ ثم انتقل السياق منهنّ إلى المؤمنين عامّة ، فأمرهم أن يقوا أنفسهم وأهليهم من مثل هذا نارا وقودها الناس والحجارة ، وذكر سبحانه أنه يقال لوقودها من الكفّار : لا تعتذروا اليوم ، إنما تجزون ما كنتم تعملون ؛ ثم أمرهم أن يتوبوا إليه تعالى توبة نصوحا ليكفّر عنهم سيئاتهم ويدخلهم جناته ، ويجعل لهم نورا يسعى بين أيديهم وأيمانهم ، فيقولوا ربّنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا ، إنّك على كل شيء قدير.
ثم أمر النبي (ص) بمجاهدة الكفّار والمنافقين لئلّا تشغله تلك الأمور من نسائه عنها ، وضرب مثلا لنسائه امرأة نوح وامرأة لوط حين خانتا زوجيهما ، فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ، ليحذرن هذا المصير إذا اخترن أن يتظاهرن على النبي (ص). وضرب لهنّ مثلا آخر في الترغيب بعد الترهيب ، اثنتين من المؤمنات السابقات : إحداهما ، امرأة فرعون حينما طلبت منه ، جلّ جلاله ، أن يبني لها بيتا في الجنّة وينجيها من فرعون وقومه ؛ والثانية ، مريم ابنة عمران ، وقد ختمت السورة بها فقال تعالى : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) (١٢).