وتقبضها ، في حركة ممتعة تدعو الى التأمّل والتدبّر ، فقدرة الله ممسكة بهذا الطائر ، في قبضه وبسطه ، والله سبحانه ييسّر له أمره ، ويهيّئ وينسّق ويعطي القدرة ، ويرعى كلّ شيء في كلّ لحظة ، رعاية الخبير البصير.
[الآية ٢٠] : من هذا الذي يحميكم من بطش الله وغضبه؟ من هذا الذي يدفع عنكم بأس الرحمن إلّا الرحمن؟ إنّ الكافر في غرور ، يظنّ أنه آمن بعيد عن بطش الله به ، وما هو ببعيد.
[الآية ٢١] : من يرزق البشر إن أمسك الله الماء؟ أو أمسك الهواء ، أو أمسك الحياة عنهم؟ إنّ بعض النفوس تعرض عن الله في طغيان وتبجّح ونفور ، مع أنها تعيش عالة على الله في حياتها ورزقها.
[الآية ٢٢] : ترسم الآية مشهد جماعة يمشون على وجوههم لا هدف لهم ولا طريق ، ومشهد جماعة أخرى تسير مرتفعة الهامات ، مستقيمة الخطوات في طريق مستقيم لهدف مرسوم. ثم تستفهم أيّهما أهدى؟
[الآية ٢٣] : لقد خلق الله الناس ، وجعل لهم السمع ليسمعوا ، والأبصار ليبصروا ، والأفئدة ليتفكّروا في جليل قدرة الله ؛ ولكنّ الإنسان قلّما يفكّر في شكر نعمة الله عليه ، وامتثال أمره واجتناب نواهيه ، والاعتراف له بالفضل والمنّة.
«ويذكر العلم أنّ حاسة السمع تبدأ بالأذن الخارجية ، والصوت ينتقل منها إلى طبلة الأذن ، ثم ينتقل إلى التّيه داخل الأذن ؛ والتيه يشتمل على أربعة آلاف قوس صغيرة ، متّصلة بعصب السمع في الرأس. وفي الأذن مائة ألف خليّة سمعية ، وتنتهي الأعصاب بأهداب دقيقة ، دقة وعظمة تحيّر الألباب.
«ومركز حاسّة الإبصار العين ، التي تحتوي على مائة وثلاثين مليونا من مستقبلات الضوء ، وهي أطراف أعصاب الإبصار ، وتتكوّن العين من الصلبة والقرنية والمشيمة والشبكية ، وذلك بخلاف العدد الهائل من الأعصاب والأوعية» (١).
فأمّا الأفئدة ، فهي هذه الخاصّيّة التي صار بها الإنسان إنسانا ، وهي قوّة
__________________
(١). الله والعلم الحديث ، للأستاذ عبد الرزاق نوفل ، ص ٥٧.