حيثية تقيدية لا يجري الاستصحاب الحكمي سواء كانت الشبهة مفهومية أو حكمية غير مفهومية ، فلا نتعقل فرقا بين الشبهة المفهومية الحكمية والشبهة الحكمية غير المفهومية من هذه الناحية ، فالصحيح ما ذهب إليه صاحب الكفاية (١) من بقاء وجوب الإكرام بينما السيد الأستاذ (٢) منع من هذا الاستصحاب وأجرى البراءة.
ثم إن في المقام نكتة أخيرة ، وهي أنه لو فرضنا أن المكلف ابتلى بالفرضيتين ، بفرضية التكليف بنحو صرف الوجود ، وفرضية التكليف بنحو مطلق الوجود ، فقيل له في وقت واحد «أكرم عالما وأكرم كل عادل» فيتشكّل حينئذ علم إجمالي بإلزام مردّد ، وذلك لأن المشتق إن كان موضوعا لخصوص المتلبس ، إذن لا يكفي في مقام امتثال خطاب «أكرم عالما» أن يكرم زيدا المنقضي عنه العلم ، وإن كان المشتق موضوعا للأعم ، فيجب عليه أن يكرم خالدا المنقضي عنه مبدأ العدالة ، إذن فهو يعلم إجمالا بأنه إمّا أن لا يجوز له أن يمتثل خطاب «أكرم عالما» بناء على المتلبسي ، وإمّا أنه يجب عليه أن يكرم خالدا بناء على الأعمي ، وحينئذ إن قلنا على المختار بإجراء أصالة البراءة عن التعيين بالنسبة إلى زيد وبإجراء استصحاب بقاء الوجوب بالنسبة إلى خالد ، فالعلم الإجمالي منحل لأن أحد طرفيه مجرى للأصل المثبت للتكليف وهو استصحاب بقاء الوجوب ، والطرف الآخر مجرى للأصل النافي للتكليف وهو أصالة البراءة عن التعيين فيجري كلا الأصلين إذ لا تعارض بينهما ، لأنهما ليسا نافيين معا ، بل أحدهما نافي للتكليف والآخر مثبت له. وأما إذا قلنا بمبنى السيد الأستاذ (٣) بعدم جريان الاستصحاب بل بجريان البراءة ، فحينئذ تتعارض البراءة عن التعيين لغير زيد مع البراءة عن وجوب إكرام خالد ، فيكون العلم الإجمالي منجزا فيما إذا اجتمعت كلتا الفرضيتين في الفقه على مكلف واحد.
__________________
(١) كفاية الأصول / المشكيني : ج ١ ص ٢١ ـ ٢٢.
(٢) محاضرات فياض / ج ١ ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤.
(٣) محاضرات فياض / ج ١ ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤.