وأجاب الأعلام والسيد الأستاذ (١) على هذا الإشكال بأن الحيثية المحتمل دخلها في الحكم وهي حيثية التغير ، وإن كانت مرتفعة وغير محفوظة في القضية المشكوكة ، لكنها حيثية تعليلة وليست تقيدية ، فقد قسّموا الحيثيات الدخيلة في موضوع الحكم إلى قسمين ، فقسم من الحيثيات دخيل في الموضوع على وجه الركنية بحيث يتعدد الموضوع بتغايرها ، والقسم الثاني حيثيات تعليلية وليست ركنية بحيث لا يتعدد الموضوع بتغايرها ، إذن فالتغير مثلا حيثية تعليلية ولا يتعدد الموضوع بتغايره ، فلهذا يجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية.
وهذا الكلام يجري حرفا بحرف في الشبهات المفهومية أيضا ، ففي المقام ، التلبّس بالعلم كالتغير ، فكما أن الشك في بقاء النجاسة في الماء المتغير كان ناشئا من تردد الموضوع بين ما هو مرتفع قطعا وبين ما هو باق قطعا ، كذلك الشك في بقاء وجوب الإكرام بعد ارتفاع التلبس الفعلي ، يكون ناشئا من تردد الموضوع بين ما هو مرتفع قطعا وبين ما هو باق قطعا ، لأن الموضوع إن كان هو الجامع فهو باق ، وإن كان هو خصوص المتلبس فهو مرتفع ، إذن فلا بدّ من النظر إلى هذه الخصوصية المرتفعة وهي خصوصية التلبّس ، فإن كانت من الحيثيات التعليلية بنظر العرف بحيث لا يتعدّد الموضوع ولا يتغاير بتغايرها ، إذن فيجري الاستصحاب ولا يقدح زوالها لأن انحفاظ الموضوع إنما هو بالحيثيات التقيدية الركنية كما كان يجري الاستصحاب في نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره ، وإن كانت هذه الخصوصية حيثية تقيدية وركنية فلا يجري الاستصحاب ، سواء كانت الشبهة مفهومية أو حكمية غير مفهومية.
فالمناط إذن في جريان الاستصحاب هو تشخيص الحيثية المرتفعة المحتمل دخلها في موضوع الحكم ، فإن كانت حيثية تعليلية جرى الاستصحاب سواء كانت الشبهة مفهومية أو حكمية غير مفهومية ، وإن كانت
__________________
(١) محاضرات فياض / ج ١ ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ـ ٢٤٥.