وثانياً : أنّ دليل الإجزاء ليس نفس الامارة الكاشفة عن الواقع ، وإنّما هو الملازمة العرفيّة المتقدّمة بين الأمر بالعمل بها والاكتفاء بها في مقام الإطاعة في تحصيل مقاصد الشّارع وأغراضه بما تؤدّي إليه لكونها غالبة المطابقة.
وكذلك يظهر النّظر أيضاً فيما ذكره من أنّ لسان أدلة حجيّة الامارة هو التحفّظ على الواقع لا التصرّف فيه وقلبه على طبق مؤدّاها لدى التخلّف ، وإلّا لخرجت الامارة عن الاماريّة (١).
وذلك للفرق بين رفع اليد عن الواقع فعلاً لا إنشاءً وبين قلب الواقع إلى مفاد الامارة فإنّ الّذي يخالف الطريقية هو الثاني لا الأوّل كما لا يخفى.
وبعبارة أُخرى : أنّ لازم القول بالتخطئة هو وجود الحكم المشترك بين العالم والجاهل ولو إنشاءً ، وثمرة ذلك الحكم الإنشائي هو أنّه مع حصول العلم به يصير فعليّاً أو منجّزاً وهذا كاف لرفع التصويب الباطل. وأمّا كونه فعليّاً أو منجّزاً حتى في حقّ الجاهل فلا دليل عليه إن لم يكن الدليل على خلافه ، وكم له من نظير : كما إذا أتمّ المكلّف الصلاة اعتماداً على قاعدة الفراغ والتجاوز ، فبان الخلاف ، فإنّ صلاته صحيحة ، أو نسي قراءة الحمد أو السورة بعد الركوع أو غير ذلك من الموارد التي حكم فيها بالصحة لقاعدة «لا تعاد» مع كون المذهب هو التخطئة كما لا يخفى.
وبما ذكرنا من دعوى الملازمة بين الأمر بالعمل بالأمارة واكتفاء الشّارع في مقام امتثال أوامره بما أدّت إليه الامارة ، يظهر ضعف ما أفاده صاحب المحاضرات من التفريق بين الطريقية والسببية وأنّ الحقّ على الأوّل هو عدم
__________________
(١) تهذيب الأُصول : ١ / ١٩١ ، بتصرف.