المنطقيّ البرهاني المركّب من مقدّمات يقينيّة منتجة حكماً مثلها. وقد اعتمدت على القياس أئمّة المذاهب الأربعة ولكن رفضته الإمامية والظّاهريّة ، وقد قال الإمام الصادق (عليهالسلام) : «إنّ السنّة إذا قيست محق الدّين» (١).
ولمّا لم يكن خبر الواحد حجّة عند أبي حنيفة بخلاف الآخرين ، توغّل هو وأصحابه في الرّأي واستنباط الأحكام من هذه الأُصول ، حتّى قيل إنّه لم يصحّ عند أبي حنيفة في الحديث إلّا سبعة عشر حديثاً ، بخلاف الآخرين حيث قالوا بحجيّة السنّة وإن رويت بطريق الآحاد ، ولأجل ذلك شاعت السنّة عند غير الأحناف وصار ذلك سبباً لتشقيق الأُمّة إلى أهل الحديث والسنّة وأهل الرأي ، والغالب على أهل الحجاز هو الأوّل كما أنّ الغالب على أهل العراق هو الثاني.
وقد استمرّ اجتهادهم على تلك الأُصول وغيرها إلى أواخر القرن السابع وكثرت المذاهب وتشتّتت الآراء بوجه غير محمود حتّى صدر الأمر بإغلاق باب الاجتهاد والرّجوع إلى فقه الأئمّة الأربعة وصار الأساس في الفتوى والحكم هو فقههم وآراؤهم فقط.
فكانت هذه النتيجة أمراً قطعيّاً لاجتهاد مبنيّ على أُصول لم يرد فيها نصّ من الشّارع.
ثمّ إنّ للمقريزيّ كلاماً حول انتشار المذاهب وانغلاق باب الاجتهاد لا بأس بذكره ، قال : «تولّى القاضي أبو يوسف القضاء من قبل هارون الرّشيد بعد سنة (١٧٠) إلى أن صار قاضي القضاة ، وكان لا يولّي القضاء إلّا من أراده ، ولمّا كان من
__________________
(١) الوسائل : ١٨ / ٢٥ ح ١٠ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي.