فلا حاجة معه إلى الرّجوع إلى الغير لأنّ المفروض وقوفه على نفس الواقع ، والقطع حجّة ذاتيّة.
أمّا الثاني ، فعليه أن يتحرّى في ذلك المجال ، ويقف على ما هو حجّة بينه وبين ربّه ، حتى يكون معذوراً عنده ، إذا خالف الواقع.
وبعبارة أُخرى : إنّ هذا الحكم اجتهاديّ لا تقليديّ ، يدركه عقل العاميّ بعد التدبر والتفكّر ، ولو كانت المسألة تقليدية لدار ، إذ لو كانت كذلك ، توقف التقليد فيها على مجوّز له ، فلو كان المجوّز حكم العقل ، لا غنى عن التقليد في نفس هذه المسألة أيضاً ، ولو كان المجوّز الشرع ، لا يصحّ له الاعتماد عليه إلّا بالتقليد ، وهو يتوقف على مجوّز ثان ، فإمّا يتسلسل أو يدور ، فلا محيص لقطع التسلسل ودفع الدّور عن كون المسألة عقليّة مدركة للعاميّ بأدنى تأمّل.
فإن قلت : إنّ أقصى ما يحكم به عقله هو لزوم تحصيل الحجّة في مجال الحياة ، وأمّا أنّ الحجّة هي قول الفقيه وفتوى المفتي ، فهو ممّا لا يستقلّ به العقل ، وبعبارة أُخرى : العقل يستقلّ بالكبرى أي لزوم تحصيل الحجّة ، وأمّا أنّ قول المفتي ورأي المجتهد حجّة بينه وبين الله ، فليس هذا من المستقلّات العقليّة ، فلا بدّ في إثبات لزوم الرّجوع إليه من التماس دليل.
قلت : إنّ العقل يستقلّ في أنّ الحجّة للعاميّ هي فتوى الفقيه ، بعد الوقوف على السيرة العقلائية السائدة في جميع الأعصار وهي لزوم رجوع الجاهل إلى العالم ، وهذا أصل قام عليه صرح الحياة من أقدم العصور إلى يومنا هذا ، ولولاه لانهارت الحياة وانقضّ عمودها ، إذ من المستحيل أن يستقلّ كلّ فرد متحضّر بإنجاز جميع حاجاته من جميع النواحي ، فلا محيص من تقسيم الحاجات الأوّليّة والثانويّة حتّى يتحمّل كلّ جانب من جوانب الحياة عدّة من أفراد المجتمع لتحلّ العقدة ،