ومع ذلك لا تختصّ دلالتها على حجيّة قول المفتي ورأيه بل تعمّ كلّ كلام صادر من الفقيه في مجال الدّين ، سواء أكان رأياً مستنبطاً من الكتاب والسنّة أم مجرّد نقل عن المعصوم (عليهالسلام) فالكلُّ حجّة.
وعلى ضوء ذلك : إذا كان الإنذار واجباً ، كان الإفتاء واجباً بحكم أنّه محقّق للإنذار ، وإذا كان التحذّر واجباً كان العمل بقوله واجباً لأنّه الغاية القصوى من التحذّر.
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ الظاهر من الآية هو الإنذار بالمعنى المطابقي ، وهذا شأن الواعظ والخطيب اللّذين ينذران النّاس بما أوعد الله في كتابه العصاة والطّغاة بالنّار والعذاب المهين ، ويتلوان عليهم مثلاً قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (النساء ـ ١٠) أو قوله تعالى : (... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (التوبة ـ ٣٤) ، وأمّا ما يقوم به الفقيه فليس إلّا بيان الأحكام من الواجبات والمحرّمات ، والمستحبّات والمكروهات وليس في بيانه لهذه أيّ إنذار إلّا بالدّلالة الالتزاميّة وهو غير منصرف الآية.
وثانياً : أنّ الآية ليست بصدد بيان لزوم التحذّر عند الإنذار حتى يؤخذ بإطلاقها وأنّه يجب التحذّر سواء أفاد العلم أم لا ، بل الآية بصدد بيان أنّ النّفر بصورة عامّة أمر غير ممكن ، فلم لا تنفر من كلّ فرقة طائفة لغاية التفقّه والإنذار والتحذّر عنده ، وأمّا ما هو شرائط المنذر والمتحذّر عند الإنذار ، فالآية ساكتة عن ذلك ، وبذلك تسقط دلالة الآية على حجّية قول المفتي والرّاوي إذا لم يفد العلم ، فلاحظ ما ذكرناه في باب حجيّة خبر الواحد (١).
__________________
(١) استدلّ السيّد الخوئيّ (رضي الله عنه) بهذه الآية على حجيّة الفتوى وجواز التّقليد ـ راجع التنقيح : ١ / ٨٥ ـ ٨٨.