بالحقائق من سائر النّاس.
فإن قلت : إنّ مورد الآية هو الأُصول الاعتقاديّة بشهادة ما تقدّمها من الآيات ، حيث إنّ المشركين تعجّبوا كيف يبعث الله رسولاً يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق ، قال سبحانه حاكياً عنهم : (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ...) (الأنبياء ـ ٣) فدعاهم سبحانه إلى السّؤال منّ أهل الذّكر حتى يوقفهم على حقيقة الحال وأنّه سبحانه بعث قبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كثيراً لهداية الناس كما قال : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ) (الأنبياء ـ ٨) ، وبما أن المطلوب فيها ليس هو الاعتقاد تعبّداً بل حصول العلم واليقين ، فلا تكون الآية دليلاً على جواز الرّجوع إلى الفقيه الذي يكون المطلوب فيه هو القبول تعبّداً.
قلت : إنّ الكبرى الواردة في الآية (أهل الذّكر) مطلقة ، غير أنّه دلّ الدّليل من الخارج على لزوم تحصيل العلم في مورد الآية ، وهذا لا يوجب اختصاص مضمونها بموردها ، ونظير ذلك آية النّبأ ، فإنّ موردها الموضوعات والمعروف بين الفقهاء فيها هو اشتراط تعدّد المخبر ، مع أنّ الآية ـ على فرض دلالتها ـ مطلقة من هذه الجهة ، ولكن شرطيّة التعدّد فيها لا تضرّ بالاستدلال بها ، غاية الأمر يقيّد إطلاقها في المورد بضمّ فرد آخر إليه حتى يحتجّ بها ، والجامع بين المقامين هو إطلاق الآية ، غاية الأمر يقيّد إطلاقها بالنّسبة إلى المورد إمّا بحصول العلم واليقين أو بانضمام فرد آخر.
والّذي يمكن أن يقال حول الاستدلال بالآية هو أنّها ليست إلّا إرشاداً لحكم العقل الحاكم على لزوم رجوع الجاهل إلى العالم كي يقف على وظيفته وليس مفادها أمراً آخر وراء ما حكم به العقل.