عن نفس المفتي ككون رأيه موافقاً للشهرة أو الأمارة وغير ذلك ، فلا يتمكّن المقلّد من الوقوف عليها ، فلا يصحّ أن يكون مثل ذلك ملاكاً للتّكليف ، وهذا بخلاف الترجيح بأمر داخلي قائم بنفس المفتي.
نعم يرد عليه أنّه لا دليل على الترجيح بالأقربيّة النّسبيّة ما لم تصل إلى حدّ يجعل أحدهما حجّة والآخر غير حجّة كما هو الحال في المشهور والشاذّ ، وأمّا ما وراء ذلك فحسنه لا ينكر إلّا أنّه لا دليل على لزوم الترجيح (١).
هذا مجموع ما يمكن الاستدلال به على لزوم تقديم الفاضل وبقي الكلام في أدلة المجوِّزين ، فنقول : استدلّوا بوجوه :
الأوّل : إطلاقات الكتاب والسنّة والرّوايات الارجاعيَّة.
يلاحظ عليه : بما سبق من أنّها بصدد بيان أصل الرّجوع ولا إطلاق لها بالنّسبة إلى صورة التّعارض حتى ما ورد بصورة العموم البدليّ «فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا» (٢) فإنّه لا يتجاوز عن قول القائل : «ارجع إلى الأطباء» فالكلّ منصرف عن صورة التعارض ، نعم يصحّ التعويل على هذه الإطلاقات عند عدم العلم بالاختلاف والتّعارض ، وهذا بخلاف التعويل عليها مع العلم بالاختلاف ، فإنّ ادّعاء وجود الإطلاق عند العلم بالاختلاف متوقِّف على صدورها
__________________
(١) قيل : إنَّ حجيَّة فتوى العالم في حقِّ العاميّ وإن كانت من باب الطريقيَّة كغيرها من الطرق التعبديَّة ، إلَّا أنَّه لم يُعلم كون المناط في التعبد بها هو القرب إلى الواقع بنظر العقل كي يدور في مقام التَّرجيح مدار الأقربيَّة ، فلعلَّ المناط في نظرِ الشَّارع في التعبد بها شيء آخر يكون الأعلم وغيره فيه سيَّان ، وكونُ غلبة الإيصال في نظرِ الشَّارعِ حكمةً لجعلِ الطرق غير العلميَّة لا تقتضي العليَّة وإلّا لاقتضى القول به في التّعبد بسائرِ الطرقِ والامارات غير العلميَّة كالبيّنَة ونحوها ، فلو كان القربُ إلى الواقع ملاكاً في التَّرجيح كان ملاكاً في ترجيح إحدى البيِّنتينِ مثلاً على الأُخرى لو كانت أعرف بالحالِ من الأُخرى ، مع أنَّه مع تعارضهما ـ وإن كانت إحداهما أقرب ـ تساقطتا.
(٢) الوسائل : ١٨ / ١١٠ ح ٤٥ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي.