وإن كانت لا تكشف عن دليل وصل إليهم ولم يصل إلينا ، إذ من البعيد أن يصل إلى العلامة ومن بعده دليل شرعيّ على شرطية حياة المفتي ولا يصل إلينا ، لكن ـ مع هذا الاعتراف ـ فهو يكشف عن أنّ شعار الشيعة كان على تقليد الحيّ لا الميّت.
وذلك لأنّ انكباب الفرقة المحقّة على جانب طيلة قرون وعدم الانحياز عنه إلى غيره ، كاشف عن أمر إيجابيّ راسخ وثابت وهو لزوم تقليد الحيّ ، وأمر سلبيّ وهو عدم جواز تقليد الميّت.
الثاني : إنّ تقليد الميّت إذا كان خالياً من الإشكال في عالم الثّبوت فليس خالياً عنه في عالم الإثبات ، وذلك لأنّ الأموات إمّا أن يتساووا في الفضل والفضيلة وإمّا أن يكون بينهم أعلم. فعلى الأوّل فبما أنّهم مختلفون في الفتوى في مسائل كثيرة ، فلا تشمل أدلّة الحجيّة المقام ، لما عرفت من أنّ دليل الحجيّة في كلّ من الامارة والأصل لا يعمّ صورة التعارض كما هو واضح ولا واحداً من المتعارضين وذلك لعدم الدّليل من الخارج على التّخيير إلّا في تعارض الإمارات على ما مرّ. ومقتضى القاعدة في المقام التساقط ، فلا محيص من افتراض وجود الأعلم بين الأموات ، وبما أنّ هذا الشرط لا يختصّ بالأموات فلا بد من افتراض وجود الأعلم من بين الأموات والأحياء ، ولازم ذلك وجوب الرّجوع إلى الميّت ـ بحكم أنّه أعلم ـ طيلة قرون وانحصار أمر التقليد مدّة مديدة في شخص واحد وهذا ممّا لا يلتزم به فقيه ، مضافاً إلى المفاسد المترتبة كما سيأتي.
فتلخّص أنّ تقليد الميّت إذا كان خالياً عن الدّخل في عالم الثبوت فليس خالياً عنه في عالم الإثبات.