وهذه النقول المتضافرة تحكي عن شهرة القول بين الأصحاب وندرة المخالف ، على أنّ الشيخ يؤوّل الخلاف المشار إليه في كلمات البعض برجوعه إلى العامّة فلو جعله العلّامة أقرب ، فإنّما هو في قبال العامّة ، ولو نسبه الشهيد في الذّكرى إلى البعض فالمقصود بعض العامّة الذي هو أعمّ من بعض الخاصّة ، وخلاف الاخباريين راجع إلى الخلاف في جواز التقليد وحرمته ، فهم يحرّمون التقليد مطلقاً ويلزمون الإفتاء بلفظ النصّ ، فلا فرق بين الحيّ والميّت (١).
إذا وقفت على كلمات علمائنا الأبرار ، فلنرجع إلى دراسة أدلّة المسألة فنقول :
يقع الكلام تارة في مقتضى الأصل العمليّ ، وأُخرى في مقتضى الأدلة الاجتهادية.
أمّا الأوّل : فقد عرفت عند البحث عن تقليد الأعلم أنّ الأصل عدم حجيّة رأي أحد على أحد ، إلّا ما خرج بالدّليل يقيناً وليس هو إلّا تقليد الحيّ الّذي اتّفق عليه المجوّز والمانع ، فيبقى الباقي تحت الأصل.
وأمّا الثاني : فقد استدلّ المانعون بوجهين :
الأوّل : الإجماعات المنقولة المتضافرة من عصر العلّامة إلى يومنا هذا ، فإنّها
__________________
(١) مطارح الأنظار : ٢٥٧ وعبارته : «وأمّا ما ذكره الشّهيد في الذّكرى من خلاف البعض فهو كما يراه الشّهيد الثّاني من أنّ العلماء يعمّ العامّة والخاصّة ، وبعض الأعمّ أعمّ من بعض الأخصّ ، وهذا هو الشّهيد الثاني فقد نسب القول إلى الأكثر مع ما عرفت من ادّعائه الإجماع ، وبذلك يندفع ما قد يستكشف من العلّامة الخلاف في التّهذيب على ما حكى حيث إنّه عبّر أنّ الأقرب كذا ، فإنّ أمثال هذه العبارة لا تنافي الإجماع ، ألا ترى عبارة العلّامة في متابعة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للشرع السّابق ، فإنّه يقول في التهذيب : «الأقرب أنّه لم يكن متعبّداً بشرع» مع ظهور قيام الضّرورة عندنا على عدم المتابعة. وأمّا مخالفة الأخباريّين فقد عرفت أنّ ذلك بواسطة تخيّلهم أنّ الجائز من الفتوى لا يفارق النّقل ، بالمعنى ...» (اه ـ).