وجعل المناط حصول الظنّ الأقوى سواء من قول الحيّ أم الميّت ـ وفصّل الفاضل التوني (م ١٠٧١ ه ـ) فجوّز التقليد إذا كان المجتهد ممّن لا يفتي إلّا بمنطوقات الأدلة ومدلولاتها الصريحة كالصّدوقين وغيرهما من القدماء ، وإن لم يعلم من حاله ذلك ، كمن يعمل باللّوازم غير البيّنة والأفراد الخفيّة والجزئيّات غير البيّنة الاندراج فيشكل تقليده حيّاً كان أو ميتاً (١).
وفيه : أنّ ما ذكره ليس تفصيلاً ، لأنّه يرى جواز تقليد المفتي الأخباريّ العامل بمنطوقات الأدلة ومدلولاتها الصّريحة دون غيره ، حيّاً كان أو ميتاً.
كما أنّ التفصيل المنقول عن الأردبيليّ (قدسسره) من الجواز عند فقد المجتهد الحيّ مطلقاً أو في عصر ما ، ليس تفصيلاً ، لأنّ محلّ البحث هو جواز تقليده مع التمكّن من المجتهد الحيّ كما لا يخفى لا مطلقاً وإن لم يتمكّن منه.
نعم شذّ المحقّق القميّ من المتأخّرين ، فأجاز الرجوع إلى الميّت بناءً على مبناه من انسداد باب العلم ولزوم العمل بالظنّ قال : «... نحن مكلّفون في أمثال زماننا ، وسبيل العلم بالأحكام منسدّ ، والتّكليف بما لا يطاق قبيح فليس لنا إلّا تحصيل الظنّ بحكم الله الواقعيّ ، فإذا تعيّن المظنون فهو ، وإن تردّد بين أمور فالمكلّف به هو أحدها ...» (٢) وحاصله : أنّ الميزان هو العمل بالظنّ من غير فرق بين كونه حاصلاً من قول الحيّ أو الميّت.
وقال شيخنا الأنصاري (رضي الله عنه) ـ بعد ذكر خيرة الأخباريين من أصحابنا على عدم اشتراط الحياة في المفتي ـ : «ووافقهم المحقّق القمي من المجتهدين» (٣).
__________________
(١) الوافية في أُصول الفقه : ٣٠٧.
(٢) قوانين الأُصول : ٢ / ٢٦١.
(٣) مطارح الأنظار : ٢٥٦.